إشكالية شخصنة النقاش في العلاقات الإنسانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتمد نجاح العلاقات الإنسانية بشكل أساس على مهارات الاتصال والتواصل، لذلك نجد أن تطوير الأفراد لقدراتهم بهذا النوع من المهارات يعد أمراً لازماً لبناء علاقات إيجابية مع الآخرين، سواء تعلق الأمر بالعلاقات الشخصية على المستوى الاجتماعي، أو فيما يرتبط بالعلاقات المهنية على المستوى الوظيفي. 

بطبيعة الحال، لا تخلو نقاشات الأفراد وحواراتهم من تباين في الآراء وزوايا النظر، وهذا الأمر يعود إلى اختلاف التنشئة الاجتماعية بين الناس، فضلاً عن تنوع التوجهات الفكرية، والتخصصات العلمية، والمستويات الثقافية. قد لا ينتج عن هذا التباين صراع بين الأفراد، لكن الأمر يتحول إلى إشكالية عندما يدخل عنصر الشخصنة في معادلة النقاش، عند ذاك يتحول الاختلاف إلى خلاف. 

ما المقصود بشخصنة النقاش؟ ولماذا تنشأ هذه الإشكالية؟ وكيف يمكن تحديد انعكاساتها السلبية على مجمل العلاقات الإنسانية؟ 

شخصنة النقاش تعني قيام الفرد بتحويل اهتمامه وكذلك تركيزه من جوهر الموضوع إلى شخصية الطرف المقابل، مبتعداً عن نقد وتحليل المحاور محل النقاش، ليتعامل مع الأمر وكأنه خلاف شخصي.

تنشأ شخصنة النقاشات في العلاقات الإنسانية عندما يكون الإنسان غير مدرك للحدود الفاصلة بين رأي الشخص من جهة، والشخص ذاته بما يتصف به من خصائص وسمات من جهة أخرى. على سبيل المثال، قد يكون الاختلاف بشأن فريق رياضي معين، بحيث إن أحد الأفراد يشجع ذلك الفريق، في حين أن الفرد الآخر يشجع فريقاً منافساً. الأفراد المتحاورون هنا بدلاً من تركيز نقاشهم على البعد الخاص بأداء كل فريق، نجدهم يهاجمون بعضهم، وقد يصل الأمر إلى مستوى التجريح الشخصي، وهذا ما لا ينبغي أن يكون في العلاقات الإنسانية الإيجابية. 

لشخصنة أي حوار انعكاسات سلبية على صحة العلاقات الإنسانية وسلامتها، بالإمكان توضيحها من خلال 3 نقاط أساسية:

- توتر العلاقات، وزرع الأحقاد والضغائن في القلوب، الأمر الذي قد يؤدي لاحقاً إلى قطع سبل الاتصال والتواصل بين الأفراد.

- عدم التمكن من تطوير الآراء والتصورات، إذ إن المتحاورين يركزون على إثبات صحة وجهات نظرهم، مقابل إسقاط الآخر، من دون الاهتمام بجوهر الأفكار ومضمونها. 

- شيوع أسلوب الاتهام والتهجم المتبادل بين الناس، وترسيخ مفهوم التشكيك السلبي بالنوايا، في حين ينبغي على الأفراد المتحاورين التركيز على ظاهر الأقوال، والابتعاد قدر الإمكان عن التأويل الشخصي للأمور. 

ختاماً يمكننا القول بأن النقاشات البنّاءة يمكن أن تسهم بشكل مباشر في تحسين أفكار الأفراد، وتطوير مستويات إدراكهم للأمور، بشرط التمكن من إدارة تلك الحوارات بمستوى عالٍ من الحياد والموضوعية. هذا الأمر ينبغي الاهتمام به على المستويين التربوي والاجتماعي، مع ضرورة التركيز عليه في مناهج التعليم المختلفة، خاصة بالنسبة للأطفال في سنوات نشأتهم المبكرة؛ لأن عملية بناء مهارات الاتصال والتواصل، قد تستوجب سنوات طويلة من العمل والاجتهاد، وكما يقال «العلم في الصغر كالنقش في الحجر». هذا لا يعني عدم حاجة البالغين للتطوير، إذ أن طلبة المراحل الدراسية المتقدمة، وطلبة الجامعات، وكذلك موظفي المؤسسات، ينبغي إخضاعهم إلى مناهج علمية وعملية، تستهدف تحسين مهاراتهم الشخصية، وجعلهم متمكنين من المشاركة الموضوعية في اللقاءات التي تجمعهم مع الآخرين؛ وصولاً إلى بناء جسور تواصل إيجابية بين الأفراد على وجه العموم.

Email