من مقاطع الفيديو التي انتشرت بعد وفاة عميد الإعلاميين الخليجيين والعرب، وزير الإعلام الكويتي الأسبق محمد ناصر السنعوسي، منتصف شهر نوفمبر الحالي، مقطع من حوار أجراه معه الزميل محمد خلف، مدير عام هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، يتحدث فيه السنعوسي عن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فيقول إنه فوجئ عندما قابله برجل متحمس بشكل غير عادي، يعمل بشكل غير عادي.

ويذكر أنه جلس معه، فكان، عليه رحمة الله، كلما وجد بقعة في الأرض تخيل ما يوضع فيها واستدعى بعض مستشاريه الذين حوله، أو ممن كانوا معه منذ البداية، وقال لهم إن هذا المكان مخصص لمشروع من المشاريع التي يفكر في إقامتها، وأنهم كانوا يضعون له الخرائط على الأرض، فيناقش المهندسين واحداً واحداً، ويغير المواقع، ويعرف الأرض وطبيعتها، ويشرح لهم طبيعة ريح الشمال والجنوب والرمال على الساحل بعفوية وطيبة وحماس شخصي داخلي.

كما يذكر أن الشيخ زايد، عليه رحمة الله، طلب منه أن يذهب إلى العين، وأمر له بطائرة مروحية نقلته إلى المدينة التي أُعجِب بها، وعندما عاد سأله: هل أعجبتك العين؟ فقال: نعم، أعجبتني. فعرض عليه أن يمنحه مزرعة فيها، لكنه شكره واعتذر له. ثم يعلق قائلاً إن هذا يدل على أن الشيخ زايد، عليه رحمة الله، كان منذ ذلك الوقت يود أن يساهم كل من يأتي إلى الإمارات بشيء.

هذه الشهادة أضاف إليها السنعوسي، عليه رحمة الله، في حوار تلفزيوني آخر، أجراه معه «تلفزيون الوطن» في الكويت، أن مقابلته للشيخ زايد، عليه رحمة الله، كانت في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وأنه قد جاء من الولايات المتحدة الأمريكية لإجراء حوار معه لمعرفة أفكاره، وطريقة طرحه، التي أُعجِب بها، وكانت بيده عصا يؤشر بها على خرائط كانت تعرض عليه. وقد لفت انتباهه أن هناك خبراء أجانب يقولون له إنهم سيقومون بتكبير الميناء، فكان يطلب منهم أن يضعوا الميناء بعيداً لأن البلد سيكبر، الأمر الذي يدل على أنه كان لديه خيال وبُعد نظر منذ تلك الأيام.

الخيال وبُعد النظر اللذان كان يتمتع بهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وإخوانهما مؤسسو الاتحاد حكام الإمارات، عليهم رحمة الله جميعاً، هما اللذان جعلا مدن دولة الإمارات تتحول إلى أيقونات، ليس بين مدن الإقليم والمنطقة فقط، وإنما بين مدن العالم التي غدت تتسابق إلى تقليد النموذج الإماراتي، الذي جاوز كل التوقعات خلال فترة زمنية قصيرة، في منطقة تموج بالصراعات والحروب والمشاكل التي كانت الإمارات تسعى إلى حلها بالتعاون والتنسيق مع شقيقاتها من الدول الخليجية والعربية، في الوقت الذي كانت تحرص فيه على استمرار عملية التنمية الشاملة، ومحاولة تعويض ما فاتها خلال فترة ما قبل قيام الاتحاد واندماجها في دولة متحدة تعمل على توفير الرفاهية لشعبها، ومد يد العون إلى الشقيق والصديق، والإسهام في إسعاد البشر في كل مكان.

الذين يعتقدون أن الخيال حكر على الأدباء والكتاب والشعراء مخطئون، فقد امتلك مؤسسو اتحاد الإمارات خيالاً واسعاً وكبيراً، وكان خيالاً إيجابياً مرتبطاً بالواقع أكثر من ارتباطه بالحلم المجرد. لقد تخيلوا دولة عصرية تنافس أكبر الدول وأعرقها وأكثرها حضارة. لقد حلموا واستطاعوا أن يحققوا حلمهم، وها هم أولاء أبناؤهم وأحفادهم يسيرون على نهجهم، ويقودون دولة تستمر في تحقيق الحلم وتعمل للوصول إلى أقصى ما يمكن تحقيقه بعد مئة عام من الزمن، ويخططون لتنفيذ ذلك. والدورة الأخيرة من الاجتماعات السنوية لحكومة الإمارات 2022 خير دليل على ذلك، حيث اكتسبت أهمية استثنائية بالنظر إلى مخرجاتها النوعية، التي ركزت على استكمال مسيرة البناء والتطوير، وضمان مستقبل واعد للأجيال المقبلة.

لقد شكل إطلاق رؤية «نحن الإمارات 2031» خلال اجتماعات هذا العام برنامجاً تنموياً متكاملاً للسنوات العشر المقبلة، أكدّه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حين قال إن «نحن الإمارات 2031» تمهد الطريق نحو مستقبل أكثر إنجازاً وتنمية للدولة، تتعاون خلاله جميع الجهات والمؤسسات ضمن منظومة عمل واحدة، لمواصلة النجاحات والحفاظ على المنجزات التي تم تحقيقها خلال العقود الماضية.

إن الخمسين عاماً الثانية من عمر الدولة لن تقل خيالاً ولا طموحاً عن الخمسين الأولى، التي انتهت بإنجازات حضارية غير مسبوقة، فمن يملك عزم وتصميم قادة الإمارات وشعبها جدير بأن يحقق أحلامه في كل الأزمان، وأن يقول «نحن الإمارات» دائماً بثقة وحماس لا حدود لهما.