للتسامح مفاعيل تجعل الآخر ولياً حميماً

ت + ت - الحجم الطبيعي

التسامح هو في الحقيقة خيار الشجعان في زمن صعب زادته اضطراباً الكراهية. إن من أجمل الخصال الإنسانية النبيلة، التي تأتي في رأس قائمة الصفات الحميدة لدى البشر هي فضيلة التسامح؛ البوابة التي تفضي إلى قواعد البناء السليم للمجتمعات البشرية متمثلة في التعايش والمحبة والعمل.

ما من مجتمع استقوى بغير هذه الفضيلة نهجاً وغاية إلا كان مصيره التنافر والخوف والفتنة، ويكفي هذا المثلث المخيف أنه يضمن التخلف لمديات مجهولة النهايات. هنالك أسماء لا مجال لتعدادها ضربت أروع الأمثلة، ليغدو أصحابها نجوماً لامعة في فضاء التسامح، بدءاً من المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، والمهاتما غاندي، ونيلسون مانديلا، وجاسيندا أرديرون رئيسة وزراء نيوزيلندا، التي أعطت العالم درساً بليغاً في إدارة أزمة المذبحة، التي وقعت في مسجد (كرايستشرش) في الخامس عشر من مارس عام 2019.

لقد استطاعت جاسيندا أن تحفظ بلادها من فتنة، كادت نيرانها أن تستعر. إن الأشخاص الأكثر تأهيلاً في العصر الراهن لقيادة الدول الحديثة وإدارة شؤونها بحكمة، هم أولئك الشجعان الذين اتخذوا التسامح استراتيجية حياة لمستقبل مجتمعاتهم، أحدهم الرئيس التنزاني جون ماغوفولي، الذي بعدما توفي نعته نائب الرئيس السيدة سامية حسن قائلة: «يؤسفني أن أعلن اليوم 17 مارس 2021 أننا فقدنا قائدنا الشجاع الرئيس جون ماغوفولي»، وبعيد هذه اللحظة التاريخية الحزينة نعاه قادة العالم أجمع بلا استثناء. الرئيس جون لم يمهله القدر لاستكمال مشروعه الإصلاحي، الذي كان التسامح والتعايش بين الأديان والإثنيات أولوية، وقد استطاع تحويله إلى ثقافة، أراد لها أن تشاع في المجتمع بين مواطنيه (تنزانيا 65 مليون نسمة)، وقد ذكر في كلمة له قبل وفاته جاءت بمثابة وصية، قال فيها: «إخواني، سوف يأتي يوم ستذكرونني فيه بخير، لأني أفنيت عمري في خدمة المساكين والفقراء التنزانيين. إن على التنزانيين أن يتحدوا وألا يختلفوا وألا تثور بينهم العصبيات القبلية أو الدينية. ليكن هدفنا جميعاً بناء تنزانيا». الرئيس جون- لمن لا يعرفه- عندما خير من ملك المغرب محمد السادس إبان زيارته لتنزانيا أكتوبر 2016 قال: «أريدك أن تبني لنا مسجداً كبيراً في العاصمة يصلي فيه المسلمون».

فما أجمل ثقافة المودة والتسامح ومبادلة الآخر الاحترام، ومثلما للمودة والتسامح ثقافة فإن للكراهية ثقافتها هي الأخرى، وهذا ما جعلته بحثاً أعمل عليه من فترة ليست بالقصيرة، غاية مضمونها تحاول تكريس فكرة التصدي للكراهية عبر التعرف على ثقافتها، التي تدفع الشخص إلى التطرف والعنف، ما أوجب تتبع منابع ثقافة الكراهية وحواضنها وروافد تغذيتها على اختلاف أشكالها وأساليبها في ثقافة الشعوب.

بتقديري أن التعرف على ثقافة الكراهية سوف يدفع الإنسان بالضرورة إلى ثقافة التسامح والتعايش، كمقابل مضيء وإيجابي؛ فلولا وجود الكراهية بين كثير من الناس والشعوب بعضهم بعضاً، لوجدتهم اليوم جميعاً- خلافاً لما هو عليه حالهم من حروب واقتتال ودسائس ومؤامرات- لوجدتهم في ود وتناغم، رحماء رؤفاء في ما بينهم، توجب عليهم ذلك فطرتهم التي فطروا عليه، فالأرض معطاء وتتسع للجميع.

Email