عقدة مؤتمرات المناخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يحقق مؤتمر وقمة المناخ العالمية «cop27» في شرم الشيخ «6 - 18 نوفمبر» اختراقاً مهماً في معالجة التغيرات المناخية، أم يتحول إلى مجرد مؤتمر مثل غيره من المؤتمرات الـ26 الماضية؟!

السؤال منطقي ويطرحه كل المهتمين بأزمة المناخ، التي صارت تهدد وجود كوكب الأرض نفسه، وليس فقط مدينة هنا أو دولة هناك.

صرنا نعرف أن استمرار الانبعاثات الكربونية بشكلها الراهن قد يتسبب في كارثة غير مسبوقة، وأن العقلاء توافقوا على مجموعات من الشروط الأساسية لوقف هذه الكارثة أهمها ضرورة خفض درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين أو على الأقل درجة ونصف لكي تعود إلى معدلاتها التي كانت عليها قبل بدء الثورة الصناعية في أوروبا عام 1850.

وأن تتوقف الانبعاثات الكربونية تماماً بحلول 2050، وأن يتجه العالم إلى الطاقة النظيفة ويهجر الوقود الأحفوري تماماً أو حتى بصورة تدريجية.

هذه هي التوافقات الأساسية، لكن السؤال الأهم على الإطلاق هو: كيف يمكن تطبيق هذه الشروط الجوهرية على أرض الواقع، بدلاً من تحولها إلى مجرد توصيات ومطالبات وبنود في أوراق المؤتمرات المختلفة، في حين يستمر الكوكب في الاتجاه نحو نهاية دراماتيكية؟!

القضية لا تتعلق إطلاقاً بالتوصيات أو بالشعارات المرفوعة، ولكن ما يتم تنفيذه على الأرض. نتذكر أن مؤتمر غلاسكو في اسكتلندا أو «COP26» العام الماضي، كان قد توصل إلى توافق مهم على ضرورة بدء «التخلص التدريجي» من الوقود الأحفوري خصوصاً الفحم، لكن الصين والهند تمكنتا في اللحظة الأخيرة من استبدال كلمة «التخلص» بكلمة «الخفض»، وهناك فارق شاسع بين مدلول ومعنى الكلمتين.

الأول يقضي على المشكلة في مدى زمني محدد، والثاني يتحدث عن خفض قد يستمر حتى مئات السنين إلى أن يتدمر الكوكب بأكمله بفعل استمرار الانبعاثات!!.

المشكلة الأعمق هي التمويل. نعلم أن الصين والولايات المتحدة تساهمان بحوالي 40 % من الانبعاثات، بواقع 28 % للصين و12 % للولايات المتحدة. وتليهما الهند 7.8 % ثم روسيا 4.8 % وبعدها الاتحاد الأوروبي بنسبة 3.3 %.

وفي مؤتمر كوبنهاجن قبل سنوات في الدانمارك ونتيجة لتوصيات وإجراءات اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 تم الاتفاق على أن تقوم الدول الكبرى، خصوصاً المسببة للاحتباس الحراري بفعل الانبعاثات الكربونية، بدفع 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية الأكثر تضرراً من هذه الانبعاثات خصوصاً قارة إفريقيا التي لا تساهم مجتمعة إلا بأقل من 3% من الانبعاثات في حين تدفع الثمن الأكبر من هذا التلوث.

الكبار هم من لوثوا البيئة، وإهمال الجوانب البيئية في أحد جوانبه قاد إلى الاحتباس الحراري الذي أدى بدوره إلى أخطار وجودية لدول أخرى، فكيف يمكن أن يعوض المتسببون في الانبعاثات المتضررين منها؟!

لكن على أرض الواقع فإن تطبيق قاعدة الـ100 مليار دولار سنوياً لم يتم تطبيقها إلا بأرقام هزيلة لا تزيد عن خمس المبلغ ولجأت الدول الكبرى إلى العديد من الحجج والمبررات لعدم الالتزام بهذا البند المهم جداً.

هم يقولون مرة إن الجميع ساهم في التلوث، ومرة أخرى يقولون إنهم مسؤولون وسيدفعون تعويضات للدول النامية، لكن بصورة فردية وبأقل من مبلغ الـ100 مليار، ومرة ثالثة يقولون إن القطاع الخاص ومؤسسات التمويل الدولية وصناديق التمويل والبنوك العالمية الكبرى ينبغي أن يتقدموا لسداد هذه الالتزامات.

وفي مرة رابعة يقولون إن الأموال التي ستحصل عليها الدول النامية للتكيف مع المتغيرات المناخية قروض بشروط ميسرة، وليست مساعدات ومنحاً خيرية، بل إن دولاً حصلت على قروض بهذه الطريقة ثم فوجئت بأنها بشروط تجارية عادية، وأحياناً حتى بفوائد أعلى مما هو موجود في السوق العالمي.

من أجل كل ما سبق فإنه من دون الاتفاق بصورة واضحة على قواعد الحد من الانبعاثات وتطبيق مبدأ «الخسائر والأضرار»، والوفاء بالتمويل للدول المتضررة، فإن كل مقررات وتوصيات وبنود وقرارات أي مؤتمر للمناخ لن تزيد عن كونها حبراً على ورق للأسف.

هل معنى ذلك أن يتوقف العالم عن المطالبات المستمرة للتصدي للتغيرات المناخية ومواجهتها والحد منها؟!

الإجابة هي لا، وعلى المجتمع المدني في العالم أجمع، ألا يتوقف عن دوره وأن ينبه ويتحدث ويكشف عن الأخطار التي تواجه الكوكب بأكمله، حتى يفيق أولئك الذين يعتقدون أنهم «الفرقة الناجية» التي لن تتأثر بالتغيرات المناخية، رغم أن الجميع يفترض أن يكون قد وعى الدرس الخطير.

وهو أن هذه التغيرات المناخية لم تعد تفرق بين غني وفقير، بين أبيض وأسود وقمحي، بين شمال وجنوب، بين عالم متقدم وآخر نام، والدليل أن تداعيات التغيرات المناخية شاهدناها بوضوح في الأسابيع الأخيرة تضرب الصين في صورة جفاف، والولايات المتحدة في صورة أعاصير، وباكستان في صورة فيضانات مدمرة.

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

Email