الانتخابات النصفية حدث عالمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقريباً هذه واحدة (إن لم تكن الأولى)، من أكثر الانتخابات الأمريكية النصفية لأعضاء الكونغرس الأمريكي، الذي يتكون من مجلسي النواب والشيوخ، إثارة لاهتمام الرأي العام العالمي. حيث تابعها الناس، وكأنها الانتخابات الرئاسية التي تتم كل أربع سنوات، بل وصفها البعض بأنها أهم حتى من تلك التي ستحدث عام 2024، لانتخاب الرئيس الأمريكي الجديد.

عندي أكثر من سبب يدفعني لأن أجد مبرراً لاهتمام الناس بهذه الانتخابات، بغض النظر عن نتائجها النهائية التي تشير إلى سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب، وبقاء سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ. السبب الأول:

مع أنه عادة ما تعتبر هذه الانتخابات مؤشراً لمصير الحزب الحاكم، أو بشكل أدق الرئيس الأمريكي، الذي يسكن البيت الأبيض الآن، فإن الانتخابات الحالية، الكل يتابعها في الداخل الأمريكي والعالم، وفي خاطره أن يتم معاقبة الديمقراطيين، وأن يفشلوا في السيطرة على الكونغرس، وبالتالي، يشعر الناس مع تلك النتائج بشيء من الاطمئنان على حال (دولة الأحلام)، التي أبهرت العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

السبب الثاني: أن نتائج هذه الانتخابات، إما أنها ستعيد ترتيب أولويات السياسة الدولية في الكثير من الملفات المفتوحة والمقلقة للرأي العام العالمي، وإما أنها ستضاعف مخاوف الناس من تلك السياسة. سواءً في ملف الحرب الروسية-الأوكرانية، والتداعيات التي أفرزتها خلال التسعة الأشهر الماضية.

والتي تشير إلى أنها باتجاه وضع سيئ، قد يصل إلى التهديد باستخدام أسلحة محرمة دولياً، أو الملف النووي الإيراني، الذي يراوح مكانه بدون نتائج هو الآخر، سيكون واضحاً مصيره، أضف إلى ذلك الاحتجاجات التي تشهدها المدن الإيرانية حالياً، ومعها الملف العراقي.

يُنظر إلى نتائج هذه الانتخابات من جانبين، إما أنها مشروع تصحيحي، وهذا في حال فرض الجمهوريون أنفسهم على الكونغرس، وأن الآمال بإيجاد حلول للأزمة الأوكرانية، ستتضاعف، وبالتالي، قد يشهد العالم تهدئة في الكثير من الملفات المتعلقة بها، مثل أزمتي الطاقة والغذاء، كما سيكون له تأثير على السياسات تجاه إيران، خاصة أنه يتزامن مع وصول بنيامين نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل.

الجانب الآخر، رسالة قلق و«تأزيم» الملفات في حال استمر الديمقراطيون على سياساتهم القائمة على الاشتباك، ولكن من غير المستبعد أيضاً، أن تتسبب عودتهم في الكونغرس في عقلنة سياساتهم، واختيار تغيير إدارتهم للملفات العالمية، كي يضمنوا استمرارهم في البيت الأبيض بعد عامين، حيث الانتخابات الرئاسية التي يطمح أن يعود من خلالها الرئيس السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض.

معروف أن الانتخابات النصفية الأمريكية، هي شأن داخلي أكثر مما هو شأن دولي، وإذا كان هناك اهتمام، فإنه يقتصر عادة على المختصين والمولعين بمنافسات الديمقراطيين والجمهوريين.

ولكن هذه المرة، فهي لاقت اهتماماً وإثارة بطريقة لافتة، وهو ما يعطي إشارة أن الولايات المتحدة، رغم كل ما يُقال عن تراجع «إبهارها» للعالم، ما زالت الدولة الأقوى والأكثر تأثيراً في السياسة العالمية، وأن نتائجها سوف تُجيب عن العديد من الأسئلة والاستفسارات حول الملفات الخطيرة في العالم قبل الملفات الداخلية.

إن جوهر الاهتمام العالمي الحالي للانتخابات النصفية، أن الرأي العام العالمي، يُريد الاطمئنان على مستقبل مسار عالمه، ويطمئن على ملفي الطاقة والغذاء، فهما حديث كل العالم، ويعتقدون أن السبب فيها سياسات الديمقراطيين الدولية المتراخية والمترددة.

* كاتب إماراتي

Email