الرجل الثاني في الصين.. من هو؟ ولماذا اختير؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن مفاجئاً إعادة انتخاب شي جينبينغ، زعيماً للصين لفترة ثالثة مدتها خمس سنوات في ختام أعمال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، إنما جاءت المفاجأة من صعود «لي تشانغ Li Qiang» إلى مرتبة الرجل الثاني في الدولة والحزب. فالأخير، الذي كان منذ 2017 وحتى الأسبوع الماضي زعيماً للحزب الشيوعي الصيني في شنغهاي، وكان قبله زعيماً للحزب في جيانكسو، وكان قبل ذلك حاكماً لإقليم جيجيانغ الريفي سيصبح بهذه الصفة رئيساً للحكومة وساعداً أيمن لزعيم البلاد القوي، بل سيؤهله ذلك لقيادة الصين يوماً، على نحو ما حصل عدة مرات منذ رحيل ماو تسي تونغ سنة 1976.

شكل الحدث مفاجأة لكل المراقبين ووسائل الإعلام الأجنبية، لأن الجميع فشل في توقع اسم، لي تشانغ، في موقع الرجل الثاني في القيادة الصينية، والشخصية البديلة للرفيق، لي كه تشانغ، رئيس الوزراء المطاح به مع 3 آخرين في مؤتمر الحزب الأخير من ضمن السبعة الذين يشكلون اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي، إذ كانت التوقعات السائدة هي أن رئيس الوزراء القادم سيكون، وانغ يانغ، لكن الأخير كان من بين من تمّ إقصاؤهم.

لكن ما هي الأسباب التي أدت إلى صعود، لي تشانغ؟ أو بعبارة أخرى ما هي العوامل التي ساهمت في اختياره من قبل، شي جينبينغ؟

الحقيقة أن ولاء الرجل التام هو أحد هذه العوامل. وتشانغ أثبت ولاءه منذ أن كان مساعداً لجينبينغ في إدارة إقليم جيجيانغ وكاتباً لخطبه. غير أن ولاءه هذا تصحبه أيضاً مؤهلات علمية وقدرات عملية من تلك التي يحتاجها جينبينغ لتحقيق أحد تطلعاته ذات الصلة بمستقبل الصين والمتمثلة في تحويل البلاد إلى دولة تديرها حكومة رقمية ذكية. فالمعروف على نطاق واسع أن جينبينغ يرى ضرورة أن توكل عملية تحقيق هذا الحلم إلى مؤسسات القطاع الخاص بعد أن ثبت لديه بالدليل القاطع أن مثل هذه المهمة لو أعطيت لشركات القطاع العام التابعة للدولة فإنها ستقوى نفوذاً وسلطة وتزداد فساداً.

وإذا ما أخذنا كل ذلك في الاعتبار، فإن لي تشانغ هو الشخص الأنسب والأقدر لتولي المهمة، كونه من المتمرسين في مجال تكنولوجيا الأعمال ومن أشد المؤمنين بأن لا مستقبل للصين إلا بالاقتصاد الرقمي. هذا ناهيك عن أنه صاحب سجل حافل في الابتكار المالي والاقتصادي في منطقة التجارة الحرة بشنغهاي، وكان صوت جاك ما يون، رجل الأعمال الصيني الناجح ومؤسس «مجموعة علي بابا القابضة» الضخمة العاملة في مجال التجارة الإلكترونية داخل أروقة الحزب الشيوعي الصيني. ومن ناحية أخرى يعد الرجل مؤهلاً أكاديمياً للاضطلاع بمهمته فهو خريج إدارة الأعمال، وحاصل على درجة الماجستير من جامعة هونغ كونغ بوليتكنيك، التي تعد الجامعة رقم 1 على مستوى آسيا ولا ينافسها إلا المعهد الهندي للتكنولوجيا في بومباي (IITB).

صحيح أن الرجل فشل، بصفته السابقة كزعيم لمدينة شنغهاي، في الحيلولة دون ظهور «كوفيد 19» مجدداً في هذه المدينة الكبرى، بدليل عودة الوباء إليها فجأة خلال الأشهر القليلة الماضية، ما أحرج القيادة الصينية وأفزع العالم مجدداً، خصوصاً وأن بكين كانت على وشك الاحتفال رسمياً بانتصارها التام على الوباء (لعل فشله هذا هو، ما جعل المراقبين يستبعدون صعوده ولا يتوقعونه).

لكن الصحيح أيضاً هو أن تشانغ برهن عملياً أكثر من مرة على قدرات إدارية فذة خلال شغله منصب سكرتير الحزب الشيوعي في شنغهاي، لا سيما لجهة جذب الاستثمارات الخارجية، فمثلاً، بالرغم من ظروف الصين الوبائية الحرجة في أوج جائحة كورونا عام 2021، نجح في زيادة الاستثمارات الأجنبية بنسبة 32 في المئة، وكان قبل ذلك قد نجح في إقناع الملياردير الأمريكي إيلون ماسك صاحب شركة تسلا للمركبات الكهربائية بالاستثمار في الصين، بل قام أيضاً بجهود جبارة كي يثبت لماسك أنه استثمر أمواله في المكان الصحيح. ففي خلال عشرة أشهر من توقيع عقد المشروع المشترك مع ماسك لتصنيع آلاف السيارات الكهربائية سنوياً، كانت استثماراته الصينية قد انتقلت بصورة مدهشة من مرحلة الإنشاء إلى مرحلة التشغيل والتفريخ.

والحال، أن كل المؤشرات تفيد بأن جينبينغ قد وجد ضالته في معاونه القديم تشانغ ليرافقه في تحقيق كل أو بعض ما جاء في تقريره الأخير أمام المؤتمر العشرين للحزب الحاكم، وهو تقرير ركز فيه على الابتكار التكنولوجي وتطوير المواهب في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، من أجل جعل الصين اقتصاداً متفوقاً بحلول عام 2035، الأمر الذي يستوجب تحقيق معدلات نمو سنوية تتراوح ما بين 4 إلى 5%.

 

Email