حركة الاقتصاد والمجتمع

ت + ت - الحجم الطبيعي

المراقب لحركة الحياة العامة في الإمارات يرى زخماً ونشاطاً مذهلاً قل نظيره بين مجتمعات العالم، فلا يمر يوم دون حدث عالمي كبير أو مشروع اقتصادي مميز أو نشاط ثقافي مذهل، وهذا يعنى أن الإمارات التي فتحت ذراعيها للعالم تؤدي دوراً مؤثراً في حركة الحياة والناس والنشاط على مستوى المنطقة والعالم. والمدهش في هذا الحراك هو حركة البشر بأطيافهم المختلفة، التي هي دليل على عدة قضايا، أنها دليل على جاذبية الإمارات بقوانينها التي سنت لتناسب كل أطياف البشر على مختلف توجهاتهم وخلفياتهم وأطيافهم. أما قيم وتراث الإمارات ففيها ما يناسب الجميع ويجعلهم يفدون إلينا في طمأنينة وراحة وهم يعملون ويعيشون بينا، فلا تهديد عقائدي ولا إرهاب أيديولوجي يجعل الإنسان يعيش في خوف وقلق، بل تسامح وتقبل واحترام للآخر بكل أطيافه. لقد نجحت الإمارات في بناء أنموذج إنساني ناجح يتأقلم ويتلاءم مع تطلعات الإنسان المتعولم بتخطيط عجيب وقدرة غير عادية على استشراف المستقبل وتغيراته.

لقد كان حلم بناة الاتحاد تأسيس دولة تستطيع أن تضم بين جوانحها مجتمعاً إماراتياً عالمياً، ولمَ لا؟ فمنطقة الإمارات منذ القدم كانت محطة ترانزيت للقوافل على طرق التجارة العالمية، ولم تكن آنذاك غنية بمواردها المادية والاقتصادية، لكنها كانت تمتلك مركزاً وثقلاً جغرافياً واستراتيجياً مهد الطريق لها لكي تصبح اليوم ثقلاً مهماً في الشرق الأوسط. دولة الإمارات على الرغم من حداثة تأسيسها فإنها تمتلك إرثاً تاريخياً موغلاً في القدم، فالدول لا تقوم فقط على الحداثة والمقومات المادية الآنية، بل يمثل تاريخها الأرضية الصلبة التي تقف عليها، ويمثل إرثها المعنوي روحها ونفسها. وقد أدرك المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، ذلك عندما أشار إلى أهمية ذلك التاريخ قائلاً: «من ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل»، فالاستفادة من التاريخ قضية لها أهمية قصوى، فتاريخ أي منطقة وثقافتها المتوارثة والأحداث التي دارت عليها إما أن تصهرها وتقوي من عزيمتها، وإما أن تضعضع حراكها الاقتصادي والاجتماعي وتتركها فريسة للغير.

نجحت الإمارات خلال عقودها الخمسة في بناء ذلك المجتمع، الذي يستطيع الإنسان مهما كانت خلفيته وجنسه ولغته أن يعيش وينتج ويبدع، وأن يتعايش مع غيره من بني البشر في سلام ووئام. هذا التمازج الرائع بين التنمية الاقتصادية وتوظيف القيم الإنسانية والتفكير الراقي في جعل الوئام والسلام في خدمة البشرية هو ما جذب ذلك النسيج البشري إلى الإمارات، ليجعل منها واحة أمن وسِلم. ومما يدهش المراقبين هو الكيفية التي تتعايش بها الإمارات مع المتغيرات العالمية، ومردود تلك المتغيرات عليها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. لقد نجحت الإمارات في توظيف كل المتغيرات العالمية وتحويل التأثيرات إلى تأثيرات إيجابية، الأمر الذي خلق دهشة بين المراقبين، فبينما نرى دولاً كبرى تتأثر سلباً بتلك المتغيرات استطاعت الإمارات أن تخلق من تلك التأثيرات والتقلبات بيئة واعدة وفرصاً اقتصادية متنوعة.. هذا هو الإنجاز في نظر المراقبين.

إن الإمارات وهي تحتفل قريباً بالذكرى الـ51 لقيام الدولة إنما تستذكر ثلاث قواعد مهمة قامت عليها: أولاها إرث الآباء المؤسسين الذين أسهمت جهودهم في جعل الإمارات على ما هي عليه اليوم. وثانياً أن كل ما تحقق على أرض الإمارات حتى الآن وما سوف يتحقق مستقبلاً لا يقوم فقط على التخطيط المادي، بل والتفكير الإنساني في مستقبل الإنسان وخيره، فالإمارات كانت وستظل وطناً للجميع، وأخيراً أن سياسة الإمارات الخارجية ستظل قائمة على الاحترام وعدم التدخل، وهذا هو سر ذلك الثقل الذي تحظى به الإمارات عالمياً.

لقد حبى الله الإمارات بقيادة آمنت بأن التنمية هي لخدمة الإنسان، وأن الإنسان هو أساس التنمية، وأن الله خلق الإنسان ليعمر هذه الأرض لخير البشرية جمعاء، ولهذا فإن الدولة ستظل وطناً للجميع، كما آمنت الدولة بتلك المشتركات الإنسانية التي تجمع بين كل البشر، والتي لا تتناقض مع تراث وثقافة الإمارات، ولهذا فإن القيم الإنسانية ستظل هي المحرك للثقافة الاجتماعية، كما تظل خدمة الإنسان وتوفير الرفاهية له المحرك الرئيس للتنمية الاقتصادية.. بهذه التوجهات تنطلق الدولة نحو المستقبل.

 

Email