الإمارات والعمل العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان لافتاً، الأسبوع الماضي، الحضور الإماراتي الفاعل في القمة العربية الـ31 في الجزائر، حيث حدد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في كلمة الإمارات أمام القمة، معالم وأسس العمل العربي المشترك عبر رؤية شاملة وعميقة كفيلة بتأسيس انطلاقة عربية جماعية إلى المستقبل، وحجز مكان يليق بالعرب في صناعة القرار على المستوى العالمي.

ولا شك أن هذا التطلع المشروع يمر من مسار الجدية العربية في طي الملفات الخلافية وحل الصراعات الداخلية بالحوار من دون التهاون مع التهديدات الهادفة إلى ضرب أسس الدولة الوطنية العربية.

بجانب مستوى الحضور الإماراتي في القمة العربية، التي اختتمت أعمالها ببيان توافقي ومرضٍ للجميع، وهذا حال كل الأعمال التي تتصف بالمشتركة والجماعية، هناك جملة من تطورات اللحظات الأخيرة للقمة، ومنها حضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي تستعيد مصر في عهده مكانها الطبيعي ودورها القيادي العربي، ترك انطباعاً بأن دولة الإمارات هي داعم حقيقي لكل التفاعلات العربية التي تصب في مصلحة الأمن القومي العربي ومصلحة شعوبها.

بل يمكن قراءة أي حضور إماراتي لأية فعالية عربية بأنه إشارة مهمة وأساسية لإنجاح اللقاء العربي نظراً لما تمتلكه الدولة وقيادتها من رؤية عصرية واستراتيجية لمتطلبات نهضة العرب والمساعي القومية المطلوبة لدخول العرب في عصر عالمي جديد.

من واقع السرد التاريخي والمتابعة الدقيقة للتحركات الإماراتية مع القضايا العربية، نجد أن تعاملها مع التحديات التي تحيق بالدول العربية تحتاج إلى تكاتف جميع القادة العرب من منطلق أن المصلحة مشتركة، وأن لديها قناعة أن هذا التعامل ينبغي أن يكون متواجداً حتى في ظل وجود تباينات واختلافات في الرأي، ليس لأن الاختلاف جزء من طبيعة العلاقات الدولية وحسابات مصالح كل دولة في سيادتها، وإنما انطلاقاً من أن تأخر أي طرف عربي في التعامل مع تلك التحديات قد يساهم في تفاقمها وخروجها عن السيطرة، وربما كان سبباً في إحداث فراغ أمني وسياسي يستغله من يبحث عن مصالحه في تفاصيل الخلافات العربية وترددهم عن العمل الجماعي، ولدينا أمثلة حية في هذا الجانب في أكثر من دولة عربية.

مقاطعة القمم العربية أو غيرها من الفعاليات العربية، والتأخر في دعم أي فكرة إيجابية عربية، مع وجود حسابات سياسية لأنظمة عربية لا تفكر في المصلحة الجماعية، أو أنها تعطي انطباعاً بأن مواقفها تسعى لخدمة مواطنيها بالدرجة الأولى، كلها عوامل تسببت في تأخير طموحات الشعوب العربية والآمال المعقودة من الجامعة العربية (بيت كل العرب).

بل دفعت دولاً عديدة تؤمن جميعها بأهمية العمل العربي المشترك، إلى أخذ زمام المبادرة وإيجاد طرق جديدة للحفاظ على مكتسباتها من خلال تعاون عربي ثنائي وأحياناً ثلاثي ورباعي، لإنجاز ما يمكن إنجازه، ولكي لا يتجاوز النظام العالمي العرب مرة أخرى، حيث إن وربما تكون تلك التحركات محفزات وعامل دفع إيجابي للتحرك والانضمام إلى من لديهم رؤية عربية مختلفة لخدمة الشعوب العربية.

أولويات الدبلوماسية الإماراتية عربياً أسست على قاعدة (البترول العربي ليس بأغلى من الدم العربي)، المقولة الخالدة التي أطلقها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الاتحاد، وبالتالي ليس غريباً ولا مفاجأة أن نجد منها دعم كافة الأعمال والقضايا العربية. بل إن قيادتها تلزم نفسها بالسعي الجاد لإنجاح أي مبادرة قد تساعد في تنشيط الفعل العربي لأن ذلك يخلق فرصة للنجاح للجميع، وهذا ما جسده حضور الإمارات الفاعل في قمة الجزائر.

* كاتب ومحلل سياسي

 

Email