إطلاق المحبوسين في مصر.. فوائد للجميع

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أفضل التطورات السياسية التي صاحبت إطلاق الحوار الوطني في مصر، هو إطلاق سراح وإخلاء سبيل المئات من المحبوسين على ذمة قضايا تتعلق أساساً بالرأي.

المعروف أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وخلال إفطار الأسرة المصرية، في 26 من أبريل الماضي، دعا إلى إطلاق عملية حوار وطني شاملة، يكون هدفها بلورة أولويات العمل الوطني في الفترة المقبلة. وخلال هذه الدعوة أيضاً، فإن الرئيس قرر إعادة تشكيل وتفعيل لجنة العفو الرئاسي، هذه اللجنة تشكلت أساساً مع انطلاق أول منتدى للشباب في نوفمبر 2017.

وكانت مهمتها تلقي طلبات الإفراج عن المحبوسين، وفرزها وتقديمها للجهات المختصة، طالما أن هؤلاء المحبوسين لم يثبت أنهم ارتكبوا أعمال عنف وإرهاباً، أو حرضوا عليها. هذه اللجنة لعبت دوراً مهماً في بدايات عملها، وتمكنت من المساعدة في إطلاق بعض المحبوسين، لكن وتيرة نشاطها تراجعت لأسباب متعددة، حتى قرر الرئيس السيسي إعادة تفعيلها.

وبالفعل، ومنذ الإعلان عن ذلك، وحتى الأسبوع الماضي، فقد تم إطلاق سراح أكثر من ألف شخص، وهى أعلى وتيرة إفراجات منذ ثورة 30 يونيو 2013، ويوم 24 أكتوبر الماضي، استخدم الرئيس السيسي صلاحياته الدستورية، وقرر العفو عن المعارض المعروف زياد العليمي، المسجون بحكم نهائي، والمقبوض عليه في 25 يونيو 2019.

سألت ضياء رشوان المنسق العام للحوار الوطني، ونقيب الصحافيين المصريين، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات، عن عدد المحبوسين على ذمة قضايا الرأي، فقال لي إن القوائم التي قدمتها منظمات حقوق الإنسان والنقابات والهيئات والأحزاب وجمعيات المجتمع المدني للجنة العفو الرئاسي، منذ أبريل الماضي، كانت 1074 شخصاً محبوساً، والآن تم الإفراج عن أكثر من ألف شخص منهم. قلت له، ولكن هناك تقديرات تقول إن العدد أكبر من ذلك، فردّ علي بالقول، إن الفيصل لدينا هو ما تقدمه المنظمات والهيئات وأقارب المحبوسين.

النقطة المهمة أن أولئك الذين تم القبض عليهم وسجنهم بتهم العنف والإرهاب والقتل والحرق والتخريب، لا يمكن أن تنطبق عليهم صفة «محبوس أو سجين رأي»، بأي حال من الأحوال.

الخبر الجيد، أن لجنة العفو الرئاسي، أعلنت في بيان مؤخراً، أنه سيتم استمرار خروج دفعات عفو جديدة في الفترة المقبلة، وأن هناك تعاوناً كبيراً مع النائب العام، المستشار حمادة الصاوي، ووزير الداخلية، اللواء محمود توفيق، وكذلك التنسيق الكامل مع جهات الدولة المعنية.

في تقدير اللجنة، فإن ارتفاع وتيرة الإفراجات وإخلاء السبيل، يعود بالأساس إلى الدعم والمتابعة الرئاسية المستمرة، ووجود إرادة سياسية هائلة وكبيرة، لخروج كل المستهدفين بالعفو الرئاسي.

أعود إلى ما بدأت به هذه السطور، لأشير إلى أن هذه الإفراجات، سوف تقود إلى تحقيق انفراجة كبيرة في المشهد السياسي المصري، الذي ظل محتقناً لفترة طويلة.

هذه الانفراجة بدأت معالمها تظهر في مؤشرات متنوعة، منها الحوار الوطني نفسه، الذي يضم مجلس أمناء مكوناً من 19 عضواً، إضافة إلى المنسق العام والأمين العام، والأعضاء يمثلون مختلف أطياف المجتمع المصري، باستثناء المتطرفين والإرهابيين وغير المعترفين بالدستور.

ورغم أن كل جلسات الحوار الوطني، منذ أول يوليو الماضي، وحتى اجتماعه الأخير، كانت إجرائية، وتتعلق بوضع القواعد للحوار الفعلي، فقد جرت في نهر السياسة المصرية مياه كثيرة، وانعكس ذلك أيضاً على زيادة مساحات التنوع والاختلاف في وسائل الإعلام المصرية.

أي إفراج أو عفو أو إخلاء سبيل لمحبوس أو سجين، وعودته إلى أسرته، يقلل الاحتقان لدى الشخص، ولدى عائلته وأقاربه وأصدقائه، وكل المتعاطفين معه.

ثم إن إطلاق سراح هؤلاء، هو إشارة قوية على أن الدولة المصرية قوية، وواثقة من نفسها، إضافة إلى أن هذه الإفراجات، تزيد من عزلة جماعات العنف والإرهاب، وتحرمها من الحصول على تعاطف أي قوى وتنظيمات من قوى سياسية مختلفة.

ثم إن إنهاء وتصفية ملف المحبوسين على ذمة قضايا رأي، سوف يقود إلى تطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى في ديسمبر من العام الماضي، والأهم أيضاً، أنها ستنزع ورقة مهمة من أيدي قوى وأجهزة ودول خارجية، تستخدم ملف حقوق الإنسان لمهاجمة مصر وابتزازها.

من أجل كل ذلك، ينبغي توجيه التحية لكل من أسهم في جهود لجنة العفو الرئاسي، لإنجاز أعمالها بهذه الوتيرة السريعة.

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

 

Email