إذا كانت العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية تمتد إلى 50 عاماً من الزمن فإن العلاقة الإعلامية بينهما تمتد إلى أكثر من هذه الأعوام الخمسين، إذ تصل إلى 70 عاماً جامعة بين التأثر والتأثير والتأسيس والعمل المشترك.
نستطيع أن نقسم هذه العلاقة إلى المراحل الآتية:
المرحلة الأولى: تبدأ من أوائل خمسينيات القرن العشرين، وتمتد إلى أواخر الستينيات منه، ونستطيع أن نطلق على هذه المرحلة مرحلة التأثر والتأثير.
المرحلة الثانية: تبدأ من أواخر الستينيات وتمتد إلى أواخر السبعينيات، ونستطيع أن نطلق على هذه المرحلة مرحلة التأسيس والمشاركة.
المرحلة الثالثة: تبدأ من أوائل الثمانينيات، وتمتد إلى الآن، ونستطيع أن نطلق على هذه المرحلة مرحلة التعاون المشترك.
• الإذاعة: لعبت إذاعة «صوت العرب» دوراً مهماً في ربط المواطنين العرب بالإعلام المصري في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، خاصة أن أغلب الدول العربية كانت وقتها تقع تحت الاحتلال الأجنبي، وكانت إمارات الخليج العربي مستعمرة من قبل بريطانيا، لهذا عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952، وانطلقت إذاعة «صوت العرب» بعد قيام الثورة بعام واحد، في 4 يوليو 1953 على وجه التحديد، تمحور بثها حول مفهوم الوحدة العربية ومناهضة الاستعمار، وشكلت شخصية جمال عبدالناصر، بما لها من كاريزما طاغية، رمزاً للمواطنين العرب، ومنهم مواطنو الإمارات، الذين لم تكن دولتهم قد تشكلت بعد، فأخذوا يتحلقون حول أجهزة الراديو للاستماع إلى خطب عبدالناصر، وتعليقات أحمد سعيد، والبرامج الموجهة إلى المواطنين العرب في أنحاء الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه.
• الصحف والمجلات: كان للصحف والمجلات المصرية، التي كانت تصل الإمارات، خاصة بعد ظهور بعض المكتبات في بعض الإمارات تأثير على أهل الإمارات، الذين كانوا يستقون الأخبار والتحليلات والمعلومات منها، ويتأثرون بكتّاب الرأي فيها، خاصة أنها كانت تستكتب أهم رموز الثقافة والفن والصحافة في تلك المرحلة، أمثال الدكتور طه حسين، وتوفيق الحكيم، ويحيى حقي، وأنيس منصور، ومصطفى أمين، وعلي أمين، وأمينة السعيد، وسناء البيسي، والكثيرين ممن يضيق المجال عن ذكرهم، وكانت أهم الصحف والمجلات، التي تصل إلى الإمارات الأهرام، والأخبار، وآخر ساعة، والمصور، وروزاليوسف، وحواء، والكواكب، وغيرها.
• السينما: أسهمت الأفلام السينمائية المصرية في التعريف بواقع المجتمع المصري وتاريخه، وذلك بعد أن تم افتتاح بعض دور السينما في بعض الإمارات في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وكان أشهرها سينما «الوطن»، التي أنشأها رجل الأعمال الكويتي مرشد العصيمي في دبي عام 1953 في الناحية الشرقية الشمالية من المكان المعرف حالياً بميدان بني ياس في ديرة.
• التلفزيون: بدأ التلفزيون المصري بثه عام 1960م، لكن إرساله لم يكن بطبيعة الحال يصل في تلك الفترة إلى المنطقة، نظراً لعدم استخدام تقنية الأقمار الصناعية في البث التلفزيوني، لهذا ظل التأثير في مراحله الأولى مقتصراً على الإذاعة. وعندما دخل التلفزيون بعض دول الخليج، ومنها الإمارات، كان للمسلسلات التلفزيونية المصرية والتمثيليات والمسرحيات المسجلة والأفلام السينمائية دور كبير في تشكيل ذائقة الإماراتيين التلفزيونية، كما كان لبعض البرامج المسجلة في التلفزيون المصري تأثير كبير على المشاهدين في الإمارات، مثل برنامج «نجمك المفضل» وبرنامج «نجوم على الأرض» من تقديم ليلى رستم، وبرنامج «العلم والإيمان» من تقديم الدكتور مصطفى محمود، وبرنامج «عالم البحار» من تقديم الدكتور حامد جوهر، وغيرها.
هكذا تشكل الوجدان والمزاج لدى الإماراتيين قبل قيام دولة الإمارات متأثراً بالإعلام والثقافة المصريين، وعندما بدأت الإمارات إنشاء أجهزتها الإعلامية من صحف وإذاعة وتلفزيون، قبل الاتحاد، كان للإعلاميين المصريين دور بارز في مرحلة التأسيس، تمثل في استقدام الكثيرين منهم للمشاركة في إنشاء هذه الأجهزة وإدارتها وتشغيلها، والإسهام بشكل كبير في وضعها على المسار، وتدريب أبناء الإمارات على العمل فيها كي يتمكنوا من استلام الزمام والنهوض بها، واستمر هذا الدور بعد قيام الدولة، وتواصل حتى احتل الإعلام الإماراتي موقعه وأصبح في الصدارة، وغدت دولة الإمارات العربية عاصمة للإعلام العربي، بما تمتلكه من مدن ومناطق إعلامية حرة، وجدت فيها الكثير من الصحف والقنوات الإذاعية والتلفزيونية ووكالات الأنباء ملاذاً ومكاناً مثالياً مهيأ للانطلاق منه، أو فتح مكاتب وفروع لها فيه، بما يوفره من تسهيلات وبيئة مريحة للعمل، كما قامت الجوائز الإعلامية التي أنشأتها دولة الإمارات، مثل جائزة الصحافة العربية، التي أسسها نادي دبي للصحافة، وتحولت مؤخراً إلى جائزة للإعلام العربي المقروء والمرئي والرقمي، قامت هذه الجوائز بتعزيز مكانة دولة الإمارات الإعلامية وترسيخها.
أهم الأسماء التي أسهمت في الإعلام الإماراتي
في مجال الإذاعـة: سعيد عمارة، سعد غزال، أحمد حمزة، فؤاد فهمي، محمد السيد ندا، مأمون النجار، سمير عبدالتواب، محمد عبدالواحد، فؤاد عمر، محمد مرعي، آمال معوض، تهاني رمضان، أحمد أبوالسعود، منى الهانسي، عادل ماهر، سهير الحارثي، صلاح السويفي.
في مجال التلفزيون: عبدالوهاب قتاية، عبدالمنعم سلام، نادية النقراشي، عفاف عبدالرازق، درية شرف الدين، سلوان محمود، مديحة نصار، راوية شعيب، مايسة محمود، صلاح عويس، محمود الشريف، هدى حلمي، آمال البري، ملاك أحمد زيد.
في مجال الإخراج والإعداد والعمليات الهندسية: فاروق سعد، أحمد شاكر، سمير الشريف، حسين عفيفي، مختار سالم، سيد عويس، محمد شرابي، إبراهيم عزالدين، جمال أبوالفضل، فاروق عامر، إبراهيم أبوسريع، عبدالعال هلال، مدحت يوسف، نبيل درويش، عاطف عبدالهادي، مصطفى الجمال، محمد علبة، نعيم الراعي، سعد عبدالرحمن، الدكتور نجيب الكيلاني، مصطفى الشريف.
في مجال الصحافة: مصطفى شردي، جلال عارف، محمد الخولي، عباس الطرابيلي، كامل يوسف، حمدي نصر، أحمد عمر، حمدي تمام، جلال سرحان، عدلي برسوم، محمد دياب، جمال بدوي، جمال أبوطالب، عبدالعال الباقوري، عبدالعظيم حماد، عبدالفتاح الفيشاوي، سمير عبدالمطلب، أحمد الجمّال، عبدالمنعم الملواني، مأمون عطية، رأفت السويركي، إبراهيم سعفان، خيري رمضان، نهاد عرفة، عصام سالم، محمود الربيعي، علاء إسماعيل، رفعت بحيري، حامد نجيب، فرماوي، محمد العكش، عادل السنهوري، عماد الدين حسين.
هذه الأسماء ليست على سبيل الحصر، فهناك أسماء كثيرة ربما لم تسعف الذاكرة بحصرها كلها، لكنها لم تسقط من سجل الدور، الذي لعبه الإعلاميون المصريون في تأسيس إعلام الإمارات والمساهمة فيه.
بروتوكولات التعاون
بعد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة تم توقيع عدد من بروتوكولات التعاون الإعلامي مع جمهورية مصر العربية، لعل أهمها:
• بروتوكول التعاون الإعلامي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية 1988
الهدف منه تعميق وتطوير ودفع التعاون بين البلدين.
• يشتمل البروتوكول على:
- تبادل الرسائل الإذاعية والتلفزيونية.
- الإنتاج البرامجي المشترك في مجالي الإذاعة والتلفزيون.
- تشجيع التعاون وتطويره بين المؤسسات الصحفية في البلدين.
- تشجيع الزيارات المتبادلة للإعلاميين في البلدين.
- التنسيق في المؤتمرات والاتحادات.
- تبادل الخبرات التدريبية.
- إقامة الأسابيع والمعارض الإعلامية.
- التسويق الإعلامي التجاري.
• مذكرة تفاهم للتعاون بين المجلس الوطني للإعلام بدولة الإمارات والهيئة العامة للاستعلامات بجمهورية مصر العربية 2014:
تم توقيعها في شهر نوفمبر 2014م، وتنص على الآتي:
- العمل على تبادل الأبحاث والدراسات لوضع السياسات وإصدار التشريعات المنظمة للعمل الإعلامي.
- الاستفادة من التجارب الإعلامية الناجحة في البلدين.
- تبادل تقديم الدعم الفني والتقني اللازم لتيسير الأداء الإعلامي لكلا الطرفين.
- تبادل زيارات المسؤولين الإعلاميين سنوياً؛ بهدف تبادل ونقل الخبرات في مجال التوثيق الإعلامي، وقياس الرأي العام المحلي والدولي، وتحليل المضمون، والإخراج الفني للإصدارات والدوريات.
- تقديم جميع التسهيلات للمراسلين المقيمين والموفدين في مهام رسمية في البلدين.
- توثيق التعاون بين المجلس والهيئة، من خلال المشاركة الفاعلة في جميع المحافل الإقليمية والدولية، والتشاور بشأن القضايا الإعلامية ذات الاهتمام المشترك.
- تبادل الخبرات والمتخصصين الإعلاميين لنقل خبراتهم في المجالات المختلفة في ظل التغيرات الإقليمية والدولية، والتحديات التي تواجه المنطقة، وسبل التعامل معها إعلاميا.
- العمل على الربط الإلكتروني بين المواقع الرسمية لكل من الهيئة العامة للاستعلامات والمجلس الوطني للإعلام، على شبكة المعلومات الدولية، ضمانا لدقة ومصداقية المعلومات التي تنشر عن البلدين، وتحقيقاً للتقارب بين الشعبين الشقيقين.
من الذاكرة الإعلامية:
بعد مؤتمر القمة العربي الذي عُقِد في عمّان عام 1987 تقرر أن يقوم الشيخ زايد، عليه رحمة الله، بزيارة رسمية إلى جمهورية مصر العربية، وفي شهر ديسمبر من العام نفسه طلب مني الدكتور عبدالله النويس، وكيل وزارة الإعلام والثقافة حينها، السفر إلى مصر لإجراء مقابلة مع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، رحمه الله، تمهيداً للزيارة، وكنت وقتها أشغل منصب مدير عام تلفزيون الإمارات العربية المتحدة من أبوظبي، فذهبت على الفور. قبل تسجيل المقابلة سألني الرئيس مبارك، عليه رحمة الله، وكان وزير الإعلام وقتها صفوت الشريف يقف أمامنا: هل طلبوا منك أن تسأل عن كذا، ولا تسأل عن كذا؟ فوجئت بالسؤال، لكنني أجبته على الفور: إطلاقاً يا سيادة الرئيس، فابتسم وقال لي: إذا كانوا قد طلبوا ذلك فلا تسمع كلامهم. أجريت المقابلة، وكانت مدتها ساعة، وتم بثها في تلفزيون أبوظبي والتلفزيون المصري في شهر ديسمبر 1987 قبل الزيارة، التي تمت في شهر مارس من العام التالي.
وقبل موعد الزيارة التي بدأت في 13 مارس 1988 بثلاثة أيام ذهبت إلى مصر للإشراف على التغطية الإعلامية التلفزيونية، وبعد وصولي بيوم واحد اتصل بي الدكتور عبدالله النويس طالباً مني تسجيل كلمة للرئيس مبارك، عليه رحمة الله، قائلاً لي إنه تم تسجيل كلمة للشيخ زايد، عليه رحمة الله، لبثهما بالتزامن ليلة الزيارة، فاتصلت بصفوت الشريف، عليه رحمة الله، طالباً تحديد موعد للتسجيل، لكنه اعتذر لضيق الوقت وازدحام جدول الرئيس، وطلب مني حضور افتتاح معرض الكتاب الدولي، الذي كان من المقرر أن يفتتحه الرئيس في اليوم التالي، والبقاء مستعداً مع المصور الذي كان معي في جناح الإمارات، ووعد بأن يأتي بالرئيس إلى الجناح بعد افتتاح المعرض والجولة، التي يقوم بها عادة في الجناح المصري مباشرة، والاستعداد لتسجيل الكلمة، وعندما رآني الرئيس واقفاً في زاوية الجناح ابتسم وأقبل نحوي مباشرة، وهكذا استطعت تسجيل الكلمة، التي تم بثها بالتزامن مع كلمة الشيخ زايد، عليه رحمة الله، ليلة الزيارة، التي كانت تاريخية بكل المقاييس.