مؤتمر الحزب الشيوعي الـ20 واستراتيجية الصين المستقبلية

ت + ت - الحجم الطبيعي

شكّل المؤتمر الوطني العشرون للحزب الشيوعي الصيني، الذي انعقد الأسبوع الماضي، مناسبة مهمة لاستعراض رؤية الصين واستراتيجيتها المستقبلية على المستويين الداخلي والخارجي.

كما حظيت هذه الدورة من المؤتمر، الذي ينظم كل 5 سنوات، بأهمية خاصة، في ضوء عوامل ثلاثة مهمة، الأول هو أن هذا المؤتمر هو الأول للحزب في مئويته الثانية بعد أن احتفل العام 2021 بمرور 100 عام على تأسيسه، ومن ثم فقد كانت اجتماعات الحزب مهمة في تحديد رؤيته ورؤية القيادة الصينية لمستقبل ومكانة وسياسة الصين في القرن القادم.

والثاني هو طبيعة التطورات العالمية التي انعقد في ظلها المؤتمر سواء في ما يتعلق بالحرب المستعرة بين روسيا والغرب في أوكرانيا، أو التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة وبكين بشأن تايوان، واستمرار تداعيات جائحة «كوفيد 19» بكل ما خلّفته من تأثيرات ونتائج على الصين والعالم كله، وهي جميعها تطورات مهمة وحاسمة لتحديد مكانة الصين، والنظام العالمي كله، خلال السنوات المقبلة.

أما العامل الثالث فيتمثل في أن انعقاد المؤتمر جاء بعد أيام من إطلاق الرئيس الأمريكي جو بادين استراتيجية بلاده للأمن القومي، والتي وصفت الصين بأنها «التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية للولايات المتحدة».

وبالرغم من «سخونة» التطورات التي يشهدها العالم في المرحلة الراهنة، فقد كان لافتاً أن الخطاب الافتتاحي للرئيس الصيني شي جين بينغ الذي دام لنحو 100 دقيقة، لم يركز على هذه التطورات، ولاسيما الحرب في أوكرانيا، فيما القيادة الصينية تركز نظرتها على المستقبل.

فباستثناء قضية تايوان التي انتقد الرئيس الصيني تدخل القوى الخارجية فيها وأكد أن بلاده لن تتخلى عن حق استخدام القوة بشأنها، وتشديده على وقوف الصين بحزم ضد جميع أشكال الهيمنة وسياسات القوة وعقلية الحرب الباردة.

فإن الخطاب ركز بالأساس على السياسات الداخلية وكيفية الانتقال بالصين إلى المستقبل، بعد أن نجح الحزب الشيوعي خلال القرن الأول في تحقيق أهدافه الاستراتيجية الرئيسية، ولاسيما ما يتعلق منها بالقضاء على الفقر المدقع، ورفع مستوى المعيشة وقيادة الصين لتصبح ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وشريكاً تجارياً رئيسياً لأكثر من 140 دولة ومنطقة.

وفي رؤيتها للمستقبل، حددت القيادة الصينية هدفها المئوي الثاني في بناء الصين لتصبح دولة اشتراكية حديثة عظيمة من جميع النواحي، كما تعهدت بتحقيق الازدهار المشترك للجميع، وتعزيز التقدم المادي والثقافي والأخلاقي.

وشددت على ضرورة أن يبقى الابتكار في قلب حملة التحديث بالصين. ومن بين الأهداف المستقبلية التي أشار إليها الرئيس الصيني العمل على زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ليكون على قدم المساواة مع بلد متقدم متوسط المستوى، وتعزيز القوة الناعمة الوطنية بشكل كبير، وتعزيز نظام وقدرات الأمن الوطني بشكل شامل.

إن النظر للمستقبل هو دائماً الذي يميّز الدول الساعية للتقدم عن تلك التي تركز نظرتها على التحديات الآنية، وهذا ما يميّز الصين، فرغم كل ما يحيط بها وبالعالم من تحديات وتطورات ساخنة وتهديدات عسكرية واقتصادية.

فإن القيادة الصينية تصر على رسم ملامح استراتيجيتها للمستقبل، وتواصل العمل على تعزيز عناصر تقدمها، مع محاولة الابتعاد عن الدخول في سجالات وأزمات مفتعلة تعرقل نموها وتطورها، ولعل هذا هو ما يمهد الطريق أمام بكين لتعزيز وجودها العالمي المستقبلي.

 

* كاتبة إماراتية

 

Email