«حكايات أهل الفن»

36 عاماً وقاتل المخرج نيازي مصطفى لا يزال مجهولاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

أطلق على المخرج المصري نيازي مصطفى (1910 ـ 1986م) لقب «مخرج أفلام الأكشن» كناية عن تخصصه في إخراج الأعمال السينمائية التي تعتمد الحركة والسرعة والمطاردة والقتال والإثارة، ولعل من غرائب الأمور أن مخرج الأكشن لقي حتفه في 19 أكتوبر 1986 في حادثة قتل مثيرة وغامضة داخل شقته بحي الدقي حيث كان يسكن وحيداً منذ أن طلق زوجته الفنانة كوكا.

بسبب ظروف الجريمة التي هزت الوسط الفني المصري، شكلت مديرية أمن الجيزة على الفور فريق بحث من 50 ضابطاً بهدف كشف غموض الحادث والقبض على القاتل المجهول. وطبقاً لما تم نشره لاحقاً، فإن طباخ القتيل المدعو «محمد عبدالله» جاء كعادته الساعة الثامنة صباحاً إلى شقة نيازي لإعداد طعامه فوجد بابها مغلقاً على غير العادة (كان القتيل يتركه مفتوحاً لدخول طباخه). طرق الطباخ الباب طويلاً لإيقاظ مخدومه دون فائدة، فغادر المكان ذاهباً إلى عمله الأصلي في الحكومة على أن يعود في منتصف النهار. وعندما عاد كرر المحاولة، ونظر من خلال العين السحرية فوجد أنوار الشقة مضاءة. عندها ساورته الشكوك بوجود مصيبة فذهب إلى شقة شقيقة المخرج في المنيل لإحضار المفتاح الاحتياطي.

بعد فتح الشقة، وجدت جثة المخرج غارقة في الدماء ممددة قرب سريره في غرفة نومه، مرتدياً جلباباً أبيض ويداه مقيدتان من الخلف بكرفتة وشرايين يده مقطوعة بشفرة حادة. أسرع الطباخ إلى شقة جار المخرج مستغيثاً ثم أخبره بما حدث طالباً منه الاتصال بشقيقة المخرج تلفونياً. بعد لحظات غصّت الشقة بأفراد أسرته الذين نقلوا الجثة من مكانها إلى السرير. ثم وصل رجال البوليس وأفراد المعمل الجنائي، الذين طلبوا إخلاء الشقة لهم للقيام بمهامهم، لكن بعد أن كانت الأدلة قد تعرضت للعبث من قبل المتطفلين من الجيران والمعارف.

وجد المحققون في الشقة ملفات وأوراقاً وشهادات استثمار مبعثرة بأسماء سيدات، إضافة إلى علب سجائر (رغم أن القتيل لم يكن يدخن)، وبعد السؤال علم أن آخر شخص التقى بالمخرج في شقته سيناريست نحيف الجسم أسمر اللون. كما عرف المحققون أن القتيل عاد إلى شقته فور انتهائه من تصوير المشهد الأخير من فيلم «القرداتي»، وتناول عشاءه، وأن علاقته كانت جيدة مع كافة جيرانه.

كشفت تحريات المباحث أن نيازي تزوج عرفياً من فتاة صغيرة تعمل ممثلة مبتدئة ورشحها لبطولة مسلسل تلفزيوني وكان أيضاً على علاقة ثانية بمصممة أزياء شوهدت معه غير مرة، وأن القتيل كان قليل الأصدقاء من خارج الوسط الفني ويزور إخوته وأقاربه في منازلهم، ولم يكن أحد منهم يزوره في شقته، خصوصاً بعد وفاة زوجته كوكا.

وحينما تم استجواب الفنانة المبتدئة التي ورد اسمها في التحقيقات، وقيل إنها تزوجت من القتيل عرفياً تبين أن علاقتهما انتهت قبل عام، بزواجها من أحد الأثرياء، وأن القتيل كان يريد فعلاً الزواج منها لكن فارق السن بينهما (50 عاماً) حال دون ذلك.

هنا اتجهت الشبهات إلى كهربائي قريب لطباخ المخرج كان يقيم في الصعيد واعتاد التردد على شقة القتيل لزيارة قريبه، حيث قال بعض الشهود إنهم رأوه قبل الحادث بيوم يتجول أمام العمارة التي وقعت فيها الجريمة، لكن تبين لاحقاً أنها مجرد أقوال مرسلة.

انتقلت التحريات بعد ذلك إلى التدقيق في المعاملات المالية والتعاقدات التي أبرمها القتيل مع آخرين على أساس فرضية أن يكون القتل تم بغرض الانتقام والسرقة، فتبين أن القتيل كان شديد الحرص على إيداع أمواله ومجوهراته لدى البنوك، وكان لا يحتفظ في شقته بأي شيء نفيس، بل اعتاد ألا يحمل معه في محفظته أكثر من مائة جنيه.

وهكذا، بسبب كثرة علاقات القتيل وكثرة المترددين عليه وضياع البصمات داخل شقته وعبث جيرانه ومعارفه بمتعلقاته قبل وصول الشرطة، قررت النيابة حفظ القضية وقيدها ضد مجهول.

لكن النيابة أعادت فتح القضية سنة 1989، بسبب ظهور أدلة جديدة كان مصدرها السجين المدعو محمد حمدي (أحد المسجونين المحكومين بخمسين عاماً لاشتراكه مع آخر في قتل رجل وفتاتين مجهولتين). حيث أفاد هذا السجين أن سيدة كانت تزوره في السجن أخبرته بأنها كانت على علاقة بالمخرج القتيل وأنها كانت تتردد عليه في شقته، وأن زوجها «الكوافير» علم بذلك فقرر الانتقام لشرفه من القتيل عن طريق اقتحام شقته وقتله.

وبالفعل تمّ استدعاء الكوافير وزوجته اللذين نفيا صلتهما بالجريمة، وأفادا أن السجين الذي ادعى عليهما فبرك القصة على أمل أن يكافأ بخفض مدة سجنه.

Email