القناعات الجديدة أكثر رسوخاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أسوأ ما يتشبث به المرء هو قناعاته «الهشة». فالقناعات التي بنيت في سن مبكرة أو بناءً على معلومات غير دقيقة تؤدي في نهاية المطاف إلى إهدار فرص وعلاقات ثمينة. فهناك من يعتقد مثلاً أن المال هو القوة، أو أن الشهادة هي جل ما ينبغي أن يصبو إليه المرء حتى تلقنه الحياة درساً لن ينساه.

هناك من يبني مثلاً صداقاته على المصلحة الذاتية، بسبب قناعة راسخة، فيصعق فور ما تصل المصالح إلى مفترق طرق. هناك من كان يعتقد أن الشدة هي أفضل طريقة في إدارة الناس، وأن «جلجلة» الصوت العالي مؤشر على الهيبة والقوة ثم تجده يتراجع رويداً رويداً في سن الحكمة. ومن الناس من يضع أسرته في أدنى سلم الأولويات، حتى إذا ما ابتلي بمرض أو زال عنه وهج الشهرة والمال لم يجد سوى أهله وعزوته وثلة من الأصدقاء الحقيقيين كخير سند.

والسؤال هو لماذا ينبغي ألا نتشبث بالقناعات المبكرة؟ الإجابة هي أن تلك القناعات قد تكون متأثرة بعنفوان الشباب، أو التعصب، أو روح الانتقام، أو مشاعر الحسد والضغينة.

ولذلك فإن القناعات حتى تنضج تحتاج إلى خبرة حياتية أو اعتبارات السن. لذلك لا أؤمن بأن «من هو أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة» كما يقول المثل الشعبي، لأنها ترسيخ لفكرة مشوهة. فواقع الحال يكشف لنا أن الأصغر سناً قد يكون أكثر إلماماً بالتكنولوجيا ومتطلبات العملاء ممن هم في سنه، وربما أكثر انفتاحاً في تقبل الآراء الجديدة. فرحابة تقبل الجديد تثري العقل.

ويمكن أن نجد القناعات الجديدة في ثنايا كبار السن أو ممن عركتهم الحياة. ونجدها في السير الذاتية الموضوعية التي يكشف فيها المرء حقيقة تجربته بكل عثراتها وأخطائها وخطيئاتها التي لا تغتفر.

فكثير من الناس يخطئ لكنه يتوقف كثيراً عند الخطأ لاعتبارات جلد الذات أو محاسبة الآخرين وينسى أن سنة الحياة الحركة وما أن نتوقف حتى ندخل في مشكلة أخرى. من القناعات الجديدة لدي أن مسيرة الحياة مثل الدوار المروري إذا توقفت فيه لمدة أكثر من اللازم ستتسبب في مشكلة لك ولآخرين. وكلما طال أمد المكوث داخل الدوار زادت فداحة الحادث من كل اتجاه. فالمضي قدمها ولو بسرعة متواضعة أفضل من أن نراوح في مكاننا.

والأمر نفسه ينسحب على قناعات الكمالية. فكثيراً ما يبالغ الناس في الكمالية perfectionism ثم تعلمه الحياة أن 80 في المائة من الإتقان أمر لا بأس به عندما تعمل مع فريق عمل تتفاوت قدراته. وهذا لا يعني التصريح بقبول هذه النسبة لكن يفضل أن تبقى في طي الكتمان حتى لا يتراخى فريق العمل. ومشكلة قناعات الكمالية أنها تؤخر التاجر، والمعلم، والطبيب، والوزير والوالدين لأنهم ينتظرون لحظة الكمال وهي غير موجودة سوى في أذهان أصحابها لأن الكمال لله وحده.

إن مراجعة القناعات البالية أمر مهم كي لا تفوت المرء فرص ومشاريع وعلاقات جديدة تفتح لمستقبله آفاقاً لم يكن ليبلغها بسبب تشبثه بقناعات هشة، بنيت على عجل.

Email