إذا حضر التعنت ضاعت المجتمعات والدول

ت + ت - الحجم الطبيعي

ازدادت حالة الالتباس والغموض السياسي في تونس مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي التشريعي المقرر ليوم 17 ديسمبر 2022، وهي حالة تعقد أكثر بسببها، وبها الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

ولا يبدو أن الفريق الحاكم منذ الحراك التصحيحي ليوم 25 يوليو 2022 على وعي تام بخطورة الأوضاع الاجتماعية، التي تهدد بانفجار شامل قد يفلت عن السيطرة في حال حدوثه.

ويبدو أن مرد غياب الوعي هذا تقدير خاطئ بأن الإصلاح السياسي قادر وحده على حل كل الإشكاليات دون اللجوء الفوري إلى إجراءات سريعة مصاحبة، من شأنها إنعاش الاقتصاد، وتحقيق الشروط الدنيا للانفراج الاجتماعي، الذي يمثل الشرط الأساسي لأي استقرار مجتمعي، ذلك أن «الإصلاحات السياسية هي بالتأكيد مهمة، ولكن الأولوية المطلقة بالنسبة لتونس الآن هي المسائل الاقتصادية والمالية والاجتماعية، والتي لها تداعيات مباشرة على الواقع المعيشي اليومي للمواطن التونسي» كما أكد ذلك الخبير التونسي عز الدين سعيدان، الذي شدد على أن الوضع المعيشي العام غير مريح بالنسبة للتونسي، الذي تعود على أن الأزمات مهما تعقدت تبقى قصيرة ومآلها الزوال، وذلك بفضل بنية دولة مستقرة وقادرة على امتصاص الأزمات مهما احتدت وطأتها، ولا مناص من الاعتراف بأن الدولة ومؤسساتها دخلت مرحلة الضعف والترهل، بسبب أخطاء بديهية وبادية للعيان في تشخيص الوضع العام في البلاد، وكذلك وبالخصوص نتيجة النقص الفادح في الكفاءة لتسيير شؤون الدولة.

وبدا من المهم التوصل إلى خلاصة أساسية، وهي أن القطع الثوري والجذري مع النظام القديم بسلبياته وإيجابياته كانت نتائجه وخيمة على استقرار المجتمع والدولة، وكان- بالتالي- خياراً لا يتماشى مع طبيعة المجتمع التونسي الميال إلى الخيار الإصلاحي التدريجي والمرحلي.

إن «الثورات» والهزات والانتفاضات والاحتجاجات في تونس كانت دوماً فواصل قصيرة، وكانت الدولة القوية المتماسكة والمستقرة قادرة في كل الأحوال على حل الأزمات وامتصاصها، والواضح أن الغائب الرئيسي الآن هو هذا البناء المتماسك، الذي يقف حائلاً دون خروج الأطراف عن منطق الدولة وقوانينها وأعرافها، ويجبر الجميع على رفض الثقافة المعادية للدولة، وإن أخطر ما هدد ويهدد تونس هو الدخول على خط الحياة السياسية لطرف سياسي ينتمي إلى ثقافة ما قبل الدولة، وهو إلى ذلك ينتهج سياسات معادية في العمق لاستقرار المجتمع والدولة: حركة النهضة الإخوانية، ومعلوم أن سياسات جماعات الإسلام السياسي وحركات «الإخوان» عموماً تنطلق كلها من بديهية أنها في حرب مفتوحة مع دول ومجتمعات بزعم أنها «كافرة»، فلا موانع مبدئية لديها إذن من انتهاج سياسات قد تضعف، وتقوض أركان هذه الدول.

وما قد يكون غاب عن الرئيس التونسي قيس سعيد أن تاريخ الصراع السياسي في تونس منذ بدء الحركة التحريرية أول القرن الماضي كان دوماً بين بناة الدولة من القوى الوطنية والحداثية وقوى ما قبل الدولة، التي مثلت حركة النهضة الإخوانية آخر تعبيراتها، وهو صراع حسمه في الأغلب الخط الوطني المؤمن بالدولة الوطنية.

وما تعيشه تونس اليوم من ميل مستمر وبكل الوسائل لاستقرار الدولة والمجتمع يؤكد أن هذا الصراع هو الطاغي الآن مع هبوط لافت في سلوكيات حركة النهضة الإخوانية، من أجل استرجاع الحكم، وهو أنها تمارس السياسة بأقذر الوسائل، وبتدنٍ أخلاقي غير مسبوق.

ولا يخفى على جميع الأطراف أن الحركة الإخوانية تستعمل وسائل تشويه الخصوم، وبث الأخبار الزائفة لبث الفتنة في المجتمع والكذب المتواصل، وتخصص لذلك إمكانات كبيرة بتمويلات أجنبية معلومة المصادر.

وفي المقابل، ما زال الرئيس التونسي قيس سعيد غير جاهز فيما يبدو لتقبل فكرة أن الصراع ضد جماعات الإسلام السياسي هو عمل جبهوي تشاركي لا ينبغي له أن يقصي أي طرف سياسي ومجتمعي وطني، وهو فرض عين على كل هذه الأطراف وهو عمل لا يمكن له بحال من الأحوال أن يكون فردياً، خصوصاً إذا غابت عنه الدراية بفهم طبيعة المجتمع التونسي.

إن التعنت والعناد في السياسة يقودان إلى نتائج كارثية، وإنه إذا التقى هذان العنصران مع سوء فهم متطلبات المرحلة، وما ينشده التونسيون، فإن هذا يكون وبالاً ونذير شؤم يهدد استقرار الدولة والمجتمع.

 

 

Email