واشنطن.. وفرة في الوعود ولكن!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الكلمة التي ألقاها الرئيس الأمريكي جو بايدن في 16 يوليو الماضي بقمة جدة أمام رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي، بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قطع على بلاده تعهداً بالقول: «إن الولايات المتحدة ستظل شريكاً نشطاً وملتزماً في الشرق الأوسط»، مؤكداً: «لن ننسحب ونترك فراغاً تملأه الصين أو روسيا أو إيران».

وإذ يركز الرئيس سخطه على هذه الدول الثلاث فذلك لأن بلاده تلاقي صعوبات متزايدة في مواجهة ما يعتبره جهوداً تبذلها هذه الدول لتقويض النظام العالمي القائم الذي تتزعمه واشنطن، ملخصاً ذلك في ثلاثة محاور: «إجراءات تمارسها الصين بشكل متزايد في منطقة المحيطين الهادي والهندي، الحرب التي تشنها روسيا في أوكرانيا، أنشطة تزعزع الاستقرار تمارسها إيران في المنطقة». وقد ضاعف من قلق الولايات المتحدة وتوجسها القمة الأخرى التي عقدت في طهران مباشرة بعد قمة جدة التي ضمت هذه الدول الثلاث.

والحقيقة أن ما ذهب إليه بايدن في كلمته موضوع حديثنا لم يأتِ تلبية لاستراتيجية أمريكية وضعت مسبقاً، وإنما تحسباً لما يمكن أن يترتب على الحرب القائمة في أوكرانيا، حيث يرى مخططو الاستراتيجية الغربية أن هذه الحرب تعبر عن تحدٍ للغرب ولحلف شمال الأطلسي (الناتو) من المحتمل جداً أن يتسع ليصبح خطراً مصيرياً على هيمنة الولايات المتحدة يتجاوز في أهميته ما كان عليه الحال في ظروف الحرب الباردة، فالتحدي لا يستثني أبرز أسلحة الولايات المتحدة، وهو عملتها وما تتمتع به من نفوذ هائل، التي اكتسبتها منذ مؤتمر بريتون وودز، الذي عقد عام 1944 في ولاية نيوهامبشير الأمريكية الذي اتفقت فيه أربع وأربعون دولة من أجل استقرار سوق العملات، على اعتبار «الدولار» هو العملة القياسية في العالم، وتأسس في ضوء ذلك كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للمساعدة في أداء هذه المهام المعقدة.

وعودة إلى عنوان هذه المقالة تُتهم الإدارة الأمريكية بالضعف وعدم الرغبة، بل ربما عدم القدرة على مواجهة مسؤولياتها الأمنية في المنطقة، ويذهب البعض إلى القول إن واشنطن تفتقر حقاً إلى استراتيجية واضحة في المنطقة منذ نهاية الحرب الباردة، وقد تراخت مواقفها كثيراً في الآونة الأخيرة، مقدمة في انسحابها من أفغانستان وتسليمها لحركة طالبان دليلاً على ذلك.

واشنطن تغض الطرف عن الكثير مما ينبغي أن تلتفت إليه بجدية في مواجهة الأخطار التي تواجهها المنطقة، فقد أصدرت قراراً برفع ميليشيا الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وقررت سحب الدعم العسكري المقدم للتحالف العربي لدعم الحكومة اليمنية خدمة لتحقيق أحد أبرز أهدافها، كما ان إدارة الرئيس بايدن لا تقل رغبة في خطب ود إيران ولا تقل حماسة عن إدارة سلفه باراك أوباما في التوصل لاتفاق بشأن برنامجها النووي. وقد ازداد موقف الإدارة ارتباكاً وضعفاً وهي تتحرك في أطر عدد محدود من الخيارات الدبلوماسية غير المقلقة للجانب الإيراني، الذي عمد إلى التهديد بالانسحاب من اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية، وقام باستئناف عمليات تخصيب اليورانيوم فوق الحدود المسموح بها، وفصل أخيراً عدداً من كاميرات الرقابة التي نصبتها الوكالة الدولية في المواقع النووية الإيرانية.

في ضوء هذه المواقف البعيدة عن الحزم والحسم التي خبرتها دول المنطقة لا تبدو وعود الرئيس بايدن، رغم وفرتها، أكثر من وعود لا تستند إلا إلى تحركات سياسية ودبلوماسية فقط مدعومة برغبات حلفاء أكثر حماسة للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، خصوصاً في ظروف الضائقة التي تعاني منها أوروبا بعد فرض الحصار على مصادر الطاقة الروسية إثر اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

 

Email