القطاع الخاص المصري وتغيير النظرة السلبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

صار واضحاً أن الحكومة المصرية ليس لديها الإمكانيات لتعيين المزيد من العاملين في القطاع الحكومي وقطاع الأعمال العام، لأنها تقول إن عدد العاملين في هذين القطاعين يكفي ويزيد، وأن الأصح أن نتخلص من العمالة الزائدة، وليس تعيين المزيد من الموظفين.

إذا كان الأمر كذلك، فمن الذي سوف يقوم بتشغيل ما بين 800 ألف إلى مليون شخص يدخلون سوق العمل في مصر سنوياً؟

طبقاً لآخر أرقام رسمية معلنة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2021، فإن قوة العمل في السوق المصري تبلغ نحو 29.358 مليون شخص.

وأغلب الظن أن عدد العاملين في القطاع الحكومي 5.7 ملايين، وقطاع الأعمال العام 735 ألفاً، وعدد العاملين في القطاع الخاص بشقيه الرسمي وغير الرسمي يبلغ 12.6 مليون مشتغل، والباقين وعددهم حوالي أكثر من عشرة ملايين يعملون لدى أنفسهم، وبالتالي يمكن إدراجهم تحت فئة القطاع الخاص الذي صار يقوم بدور الموظف الأكبر للعمالة في السنوات الأخيرة.

الملاحظة المهمة هي أنه وابتداء من عام 2015 ومع بدء الدولة المصرية في تنفيذ المشروعات القومية الكبرى، فإنها تمكنت من توظيف أكثر من خمسة ملايين شخص في هذه المشروعات، وهو إنجاز طيب ومهم، خصوصاً أن هذا التوظيف لم يكن ذا طابع اقتصادي فقط، بل له جانب اجتماعي وأمني، حيث حمى الملايين من الوقوع أسرى للدعاية الإرهابية والمتطرفة.

غالبية هذه العمالة كانت بالطبع في قطاع المقاولات وما يتفرع منه من وظائف ومهن كثيرة يقدرها الخبراء بحوالي 40 مهنة، والجزء الأكبر من هؤلاء إما عاملون في حرفة المعمار أو مهندسون وعمالة فنية بصفة عامة.

مشكلة هذا النوع من التوظيف أنه ليس مستداماً، أي أن الوظيفة تنتهى بمجرد الانتهاء من المشروع، سواء كان مدينة سكنية أو بناء جسر أو رصف طريق، أو إقامة أي مشروع.

ثم إن الدولة لا تستطيع أن تواصل بناء المشروعات الكبرى طوال الوقت، فالسوق يتشبع أولاً، وحتى إذا لم يكن كذلك، فقد تكون هناك صعوبة في تدبير التمويل اللازم لهذه المشروعات دائماً، خصوصاً إذا كانت هناك حاجة ملحة لتوجيه هذه الأموال إلى قطاعات أخرى أكثر إلحاحاً مثل تسديد الديون أو شراء السلع الأساسية، خصوصاً الحبوب والوقود.

وبالتالي فإن الخلاصة الأساسية في هذا الصدد، وبما أن الحكومة لا تستطيع أن توفر غالبية فرص العمل المطلوبة، فمن المهم أن تدعم بكل الطرق المتاحة القطاع الخاص المنتج دعماً حقيقياً، وليس فقط بالتصريحات الوردية.

وللموضوعية فإنه في الشهور الأخيرة فإن الدولة بكل مستوياتها، خصوصاً رئيس الجمهورية، أكدوا على دور القطاع الخاص باعتباره شريكاً رئيسياً في عملية التنمية، لكن وكما قلت كثيراً من قبل، فهناك مشكلة حقيقية تتمثل في شيوع ثقافة عامة في المجتمع، خصوصاً في وسائل الإعلام، تتعامل مع كل رجال الأعمال والمستثمرين باعتبارهم لصوصاً إلى أن يثبت العكس.

رجال الأعمال والصناع والتجار شأنهم شأن أي فئة، فيهم الصالح والطالح، وإذا كان هناك بعض اللصوص وسارقي المال العام، فالغالبية منهم شريفة ومنتجة، وهي التي توفر غالبية فرص العمل لأربعة أخماس المصريين.

المطلوب من الإعلام ومن الدراما والفنون ومن المجتمع المدني أن يحاول تغيير نظرة الناس لدور القطاع الخاص المنتج، وهذا لا يعني أن نتخلى عن مطاردة وفضح وتجريس أي رجل أعمال أو مستثمر يسرق أو ينهب أو يفسد، ومعه أيضاً نجرس أي رئيس شركة حكومية أو عامة يفعل نفس الشيء، ويكون المعيار هو تطبيق القانون ومدى خدمة المجتمع والدولة.

والمطلوب أيضاً ليس تغيير نظرة المجتمع للقطاع الخاص، بل نظرة بعض مسؤولي الحكومة أنفسهم، الذين لا يزالون يتعاملون معه باعتباره رجساً من عمل الشيطان ينبغي اجتنابه بكل الطرق الممكنة.

مرة أخرى، علينا جميعاً أن ندعم أي شخص أو جهة أو شركة تنجح في إقامة مشروعات ناجحة توظف الناس وتنتج سلعاً للاستهلاك المحلي ويا حبذا لو صدرت للخارج.

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

 

Email