«حكايات أهل الفن»

المخرج حسن الصيفي وفيلم «غزل البنات»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أفردت مجلة «الكواكب» المصرية صفحاتها في عددها الصادر في 21 أغسطس 1956 للمخرج والمنتج والسيناريست حسن الصيفي (1927 ــ 2005) ليروي قصة طريفة كان هو بطلها، بينما كان المتسبب فيها هما العملاقان نجيب الريحاني وأنور وجدي. أما نتيجتها فقد كان قسماً من الصيفي بألا يقترب من التمثيل مرة أخرى.

وملخص الحكاية أن الصيفي، الذي عمل طويلاً مع أنور وجدي كمساعد له في إخراج سلسلة أفلامه مع ليلى مراد، سمع من وجدي في أواخر الأربعينات ما يفيد بنيته تقديم فيلم مختلف يجمع فيه عمالقة الفن، قاصداً بذلك فيلم «غزل البنات»، وأنه فقط يخشى أن يرفض نجيب الريحاني التعاون معه لأنه يفضل أن يعمل لحسابه.

هناك تقدم الصيفي طارحاً نفسه كوسيط قادر على إقناع الريحاني، كونهما عملا معاً في صناعة فيلم «أحمر شفايف» للمخرج ولي الدين سامح من بطولة الريحاني وسامية جمال، وتوثقت علاقتهما حينذاك. وبالفعل ذهب الصيفي إلى منزل الريحاني وعرض عليه الفكرة ونال موافقته. تلا ذلك عقد اجتماع بين الريحاني ووجدي بحضور الصيفي، شرح فيه الأول للثاني فكرة الفيلم ودور الريحاني فيه كبطل أمام ليلى مراد والمشاهد التي سيؤديها.

يقول الصيفي إن الأمور سارت على ما يرام إلى أن وصل الحديث عن المشهد الذي يقف فيه البطل (الريحاني) في حديقة منزل البطلة (ليلى مراد) مسحوراً بجمال صوتها وهي تغني في شرفة عالية، قبل أن تتنبه كلاب الحراسة الشرسة لوجود الريحاني وتنطلق نحوه، فيضطر الريحاني للهرب بالصعود إلى شرفة البطلة.

اعترض الريحاني على أداء المشهد المذكور، ونهض استعداداً للمغادرة وهو يقول لأنور وجدي: «اسمع يا أنور، أنا مش أراجوز علشان تجيبني أنط من الأرض للشباك»، مضيفاً: «الحاجات دي يعملها بهلوان، مش أنا». وهنا تدخل الصيفي قائلاً لوجدي: «سيب الريحاني عليّ، أنا حتفاهم معاه».

ما قام به الصيفي بعد ذلك هو ذهابه مجدداً إلى منزل الريحاني ليقنعه أن المشهد الذي اعترض عليه سيتم تصويره عن طريق دوبلير مناسب، وبالتالي فليس هناك موجب للخوف من شراسة الكلاب أو عمليه الصعود أكثر من 3 أمتار إلى الشرفة، فكانت إجابة الريحاني «إذا كان كده.. فمعليش، أنا موافق». وبهذا خرج الصيفي من عنده مسروراً وذهب على الفور إلى أنور وجدي ليبشره بموافقة الريحاني.

وقبل أن يبدأ التصوير بيوم، اتفق الصيفي بصفته مساعداً للمخرج، مع أحد الكومبارس المشابهين للريحاني جسمانياً على أن ينوب عن الأخير في تأدية المشهد الخطير، لكن ما حدث هو أن هذا الدوبلير لم يحضر في الموعد المتفق عليه لسبب من الأسباب، وهو ما جعل وجدي غاضباً، والريحاني قلقاً، وأعصاب العاملين مشدودة. ولتفادي أي أعطال أو خلافات تؤدي إلى توقف مشروع الفيلم، نهض الصيفي من مقعدة طارحاً نفسه كبديل للدوبلير الغائب. وبالفعل ارتدى الملابس المفترض أن يرتديها الريحاني ووقف تحت شرفة ليلى مراد انتظاراً لهجوم الكلاب، ودارت الكاميرات، وأعيد التصوير خمس مرات، من أجل أن يتقن الصيفي الدور. إلى أن أطلقت الكلاب الشرسة، فسارع الصيفي إلى الصعود هرباً منها، لكنه أبطأ لثوان معدودة، ما جعل أحد الكلاب ينجح في الإطباق بأسنانه على قدم الصيفي. وعلى الرغم من الألم المبرح الذي شعر به في ذلك الوقت، إلا أنه تمالك نفسه ولم يصرخ حتى لا يفسد تصوير المشهد.

وهكذا انتهى تصوير مشاهد الفيلم بشكل رائع، واقتصرت الخسائر على نقل مساعد المخرج حسن الصيفي إلى المستشفى ومن ثمّ إلى منزله حيث رقد في فراشه أياماً عدة إلى أن تعافى من عضة كلب الباشا (والد ليلى مراد) الذي جسد دوره الفنان الأرستقراطي الكبير سليمان بك نجيب. وبعد ما حدث له، قال الصيفي: «توبه إنْ كنت حمثل تاني».

Email