يجوب الدبلوماسيون العالم بأسره في محاولة «لرأب الصدع». فقد تعلمنا في عالم الإدارة من الدبلوماسيين أنه يمكن نزع فتيل الأزمات عبر الحوار الهادئ، وتقريب وجهات النظر، ومقترحات مرضية للطرفين win-win، وتفادي الصدامات عبر حلول عقلانية. من هنا جاءت فكرة الدبلوماسية فهي مثال يحتذى في بيئات العمل، فعندما يحتدم الصراع الداخلي في المنظمات وتفشل الجهود الرامية للتهدئة تكون النتيجة «تصدع الجبهة الداخلية» - إن جاز التعبير- وهذا بحد ذاته يمهد لبيئة عمل طاردة، فبيئة العمل تقاس بمدى المناخ المهيأ للإنتاجية والإبداع والتألق حتى يجد المتفاني أجواء مريحة للعمل.
أما عندما يترك المسؤول «الجمل بما حمل» اعتقاداً منه بأن الوقت كفيل بحل المشكلات فهنا يقع الفأس بالرأس. في عالم السياسة الأمر فيه متسع قليل من الوقت أما في بيئات الأعمال فإن تجاهل الصراعات الحامية الوطيس يدفع ثمنها لاحقاً الموهوبون باستقالاتهم. وكم من موهوب خسرناه ثم اكتشفنا أن فراغه الذي أحدثه ليس من الممكن ملؤه ببديل أفضل. والأسوأ عندما يتبع ذلك الموهوب سلسلة من المتفانين في العمل الذين كانوا يجدون في مسؤولهم الأذن الصاغية والمعلم الرشيد.
إن مراقبة رأب الصدع (حل المشكلات بين المتخاصمين) أمر نابع من إحساس القيادي بالمسؤولية تجاه أمته وسائر الأمم. كما أنه نابع من شعور رئيس المنظمة بدوره المحوري في تجفيف منابع الصراع لأن كثرة الصراعات «تشوش» أجواء العمل، وتجر الناس نحو مواجهات ونقاشات عقيمة.
والمتأمل في سير الدبلوماسيين الحكماء سيجد أن التاريخ قد حفظ لهم دورهم في نزع فتيل الأزمات من حروب، وغزوات، وصراعات أهلية كادت أن تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
إن مراقبة الخلافات ينبغي أن تكون انطلاقاً من جهود فردية، فلا بد أن يكون لكل قيادي وفي كل مؤسسة «مجسات» تقدم له معلومات عن بدايات الصراعات الخطيرة حتى لا تكبر مثل كرة الثلج، ولكي يتمكن فريقه من تدارك الأزمات أو وأدها في مهدها. لكن القيادي لا يحبذ أن يُعَوِّد المسؤولين على أنه هو فقط من سيحل المشكلات.
ومن المهم تنويع أدوات رأب الصدع، فهناك مثلاً تقريب وجهات النظر، وهناك فنون للحوار والتفاوض التي لا بد أن يتعلمها القياديون والمديرون على حد سواء، وهي من متطلبات الترقية لمناصب إشرافية أصلاً. وذلك لأن كثيراً من المشاكل كان يمكن إنهاؤها بصورة فورية من قبل المسؤول المباشر غير أن الأمر عندما يستفحل سيجد القائد نفسه مضطراً أمام مسؤولية التشمير عن ساعديه لمحاولة حل المشكلة.
ومن أبجديات رأب الصدع أن نضمن ألا يكون الجميع طرفاً في المشكلة، فالمتخاصمون عادة لا يقبلون بوسيط هو في الأصل جزء من المشكلة. وهذا من أسس تكتيكات نزع فتيل الأزمات، وذلك بالحرص على أن يكون مسؤول أو بلد بعينه بعيداً عن بؤرة الصراع المباشر فيلعب لاحقاً دور الوسيط في حل المشكلة بين المتخاصمين، أو «رأب الصدع».