«أوبك» بين المصالح الاقتصادية والتجاذبات السياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحدث قرار تكتل «أوبك بلس»، الذي يضم الدول الأعضاء في أوبك والدول الرئيسية الأخرى المنتجة للنفط في العالم ومن بينها روسيا، يوم الأربعاء الماضي، خفض الإنتاج بواقع مليوني برميل يومياً اعتباراً من نوفمبر المقبل، حالة من الجدل السياسي على المستوى العالمي، بعد أن نظرت إليه أوساط في واشنطن والدول الغربية باعتباره انحيازاً لروسيا في صراعها الحالي مع الغرب، على الرغم من أن القرار تحكمه بالأساس اعتبارات اقتصادية مبنية على دراسة علمية لأسواق النفط واتجاهاتها المستقبلية.

وكان لافتاً ردة الفعل المبالغ فيها على القرار، بالرغم من أن التخفيضات الحقيقية للإنتاج لن تزيد على 1.1 مليون برميل فقط، حيث اعتبر عدد من السياسيين الأمريكيين أن قرار المنظمة يضعها في تحالف غير معلن مع روسيا، فيما أشارت تقارير إعلامية إلى أن واشنطن قد تعتبر القرار «عملاً عدائياً»، بينما وصفه الرئيس بايدن بأنه «مخيب للآمال».

وبقراءة سريعة لهذا الموقف المبالغ فيه نجد أن دوافعه سياسية بالأساس لا تعير أي اهتمام لمصالح الدول المنتجة للنفط والتي تحاول إنقاذ الأسعار من التراجع والانخفاض، فواشنطن ترى أن أسعار النفط المنخفضة ستخدم مصالحها ومصالح التحالف الغربي من زاويتين، الأولى أن هذه الأسعار ستقلل من حدة الأعباء التضخمية على مواطنيها وهو أمر مهم لضمان أصوات الناخبين قبل نحو شهر فقط من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.

أما الزاوية الثانية، فهي أن أسعار النفط المنخفضة ستضعف من الاقتصاد الروسي الذي يعتمد على صادرات النفط بنسبة مهمة، وبالتالي قدرة روسيا على إدارة الحرب في أوكرانيا، ومن هنا اعتبرت أن قرار أوبك + يخدم مصالح روسيا.

وتتجاهل ردود الفعل هذه التي وصلت إلى حد التحريض على فك التحالف الأمريكي مع السعودية، حقيقة أن المنظمة هي منظمة اقتصادية بالأساس وهدفها ضمان استقرار أسعار وأسواق النفط وتوازنها وحماية مصالح الدول المنتجة للنفط بعيداً عن أية تجاذبات سياسية.

ومن خلال قراءة المؤشرات الحالية التي تشير إلى وجود تباطؤ اقتصادي في الصين والدول الأخرى المتقدمة وزيادة معدلات التضخم وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، فإن الواضح كما يشير خبراء الاقتصاد إلى أن الطلب على النفط سيتراجع، ويعني ذلك اتجاه الأسعار للانخفاض وهو ما سيضر بكل تأكيد باقتصادات الدول النفطية، ولاسيما في ظل استمرار الارتفاع الملحوظ في أسعار السلة الغذائية والأولية الأخرى. ومن هنا فإن قرار المنظمة استباقي لمنع انهيار الأسعار المتوقع وليس لدعم روسيا في مواجهة الغرب.

وهذا هو ما أشار إليه بوضوح الأمين العام لمنظمة أوبك هيثم الغيص، الذي أكد أن المنظمة ليست منظمة سياسية ولا تنحاز لطرف مقابل آخر، موضحاً أن القرار مبني على أرقام وحقائق ووقائع، من كثير من الجهات العالمية، تشير إلى احتمال كبير بحدوث ركود اقتصادي، مشيراً إلى أن أوبك وتحالف أوبك بلس قررا استباق الأمور، حيث «نأخذ من التجارب السابقة ونستفيد منها».

وما يؤكد ذلك أيضاً هو أن المنظمة قررت في يونيو الماضي، أيضاً خلال الحرب الروسية - الأوكرانية، زيادة إنتاج النفط عقب الحظر الأوروبي شبه الكلي للنفط الروسي وتزايد المخاوف من حدوث نقص في الأسواق العالمية، وهو ما قوبل بترحيب أمريكي وغربي. وهذا القرار أيضاً لم يكن سياسياً وموجهاً لدعم الغرب في مواجهة روسيا وإنما كان اقتصادياً مبنياً على توقعات ومخاوف من حدوث نقص في الإمدادات.

خلاصة الأمر إن قرارات منظمة أوبك كانت على الدوام تنشد تحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية، وهي لا تنحاز لطرف على حساب طرف آخر، ولكنها تعمل من أجل مصالح دولها الأعضاء ومن أجل توازن أسواق النفط، ويبدو أن هذا لا يروق للبعض الذي يحاول دفع المنظمة إلى دائرة الصراعات السياسية القائمة وهي لن تفعل ذلك.

 

 

Email