اليمين المتطرف يجتاح أوروبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

انعكست التطورات والأزمات المتعاقبة التي شهدتها القارة الأوروبية خلال السنوات الأخيرة في نمو تيار اليمين المتطرف، الذي بدأ يعزز من وجوده وسيطرته في المشهد السياسي الأوروبي، فمن تداعيات الفوضى في الشرق الأوسط عقب أحداث ما يسمى الربيع العربي وما نتج عنها من تدفق موجات المهاجرين إلى أوروبا، مروراً بأزمة جائحة (كوفيد19) التي ضربت الدول الأوروبية بقوة كشفت عن عجز حكوماتها على مواجهتها وحماية أرواح المواطنين من الوباء، وصولاً إلى الأزمة الأوكرانية والتي تكاد تكون أوروبا هي المتضرر الأكبر منها بعد الارتفاع غير المسبوق في أسعار الطاقة وعدم استقرار إمدادات الغاز الروسي لأوروبا.. وسط كل ذلك بدأ تيار اليمين المتطرف يلقى رواجاً بين الشعوب الأوروبية ويحقق نجاحات لم يكن أحد يتوقعها.

وآخر مظاهر هذا التنامي لتيار اليمين المتطرف هو الفوز التاريخي الصادم الذي حققه حزب «إخوة إيطاليا» أو فراتيلي ديتالي بزعامة جيورجيا ميلوني في الانتخابات التشريعية التي جرت في إيطاليا قبل يومين، والذي سيتيح لهذا الحزب ذي الجذور الفاشية والمتطرفة فرصة حكم البلاد للمرة الأولى منذ عام انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط الفاشية.

فبعد أن بقي في صفوف المعارضة منذ الانتخابات التشريعية في 2018، فرَض حزب «إخوة إيطاليا» نفسه بديلاً رئيسياً، وارتفعت حصته من الأصوات من %4.3 قبل أربع سنوات إلى نحو ربع الأصوات، ليُصبح بذلك الحزب المتصدر في البلاد. وإذا تحالف هذه الحزب مع الرابطة اليمينية المتطرفة بقيادة ماتيو سالفيني وحزب فورزا إيطاليا المحافظ بقيادة سيلفيو برلسكوني، وأحزاب أخرى متطرفة سيكون بإمكانه حصاد %60 من مقاعد البرلمان التي تؤهله لحكم البلاد. ومن ثم تتولى جيورجيا ميلوني رئاسة الوزراء، لتقود حكومة يمينية هي الأكثر تطرفاً في تاريخ إيطاليا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وتشكل هذه النتائج زلزالاً سياسياً ليس في إيطاليا وحدها، وهي إحدى الدول المؤسسة لأوروبا وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو، إنما كذلك في الاتحاد الأوروبي برمته الذي سيضطر إلى التعامل مع رئيسة حكومة لديها الكثير من التوجهات المثيرة للجدل، حيث تعتبر ميلوني داعماً قوياً لحلف شمال الأطلسي، ولا تظهر أي تقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين/‏ لكنها في المقابل اتهمت الاتحاد الأوروبي في أكثر من مناسبة بالتواطؤ في تنفيذ نظرية «الاستبدال العظيم»، وهي نظرية عنصرية تقوم على فكرة أن المواطنين البيض يتم استبدالهم عمداً بأشخاص ملونين من المهاجرين والمسلمين في أمريكا الشمالية والقارة الأوروبية. كما أن لديها علاقات مع الأحزاب ذات التفكير المماثل في أوروبا، كحزب فوكس الإسباني وحزب القانون والعدالة البولندي، وهو ما يزيد من فرص هذه التيارات اليمينية في البلدان الأوروبية الأخرى في الوصول إلى السلطة.

وإذ أخذنا بعين الاعتبار النجاحات التي حققتها بعض الأحزاب اليمينية في دول أوروبية أخرى، وإن لم تصل إلى حد تشكيل الحكومة، مثل تمكن زعيمة حزب «التجمع الوطني» الفرنسي مارين لوبان من تجاوز الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2022، وحصولها على نحو %42 من أصوات الناخبين في الجولة الثانية، ووصول «نوربرت هوفر» مرشح حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا قبل ذلك إلى الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، وغيرهما من المظاهر والمؤشرات، فإنه سيتضح على الفور أن المزاج الشعبي الأوروبي يتجه نحو اليمين المتطرف، وهو ما يمثل خطراً على أوروبا نفسها وعلى سياساتها الإقليمية والعالمية.

Email