لا يزال المشهد السياسي في العراق متعثراً نتيجة تدخل عوامل داخلية وخارجية، والانسداد السياسي يزداد تعقداً يوماً بعد آخر، وكل المبادرات وصلت إلى طريق مسدود، حيث نجد ألغام الطائفية والمحاصصة تكاد تنفجر كل لحظة، إذ لم يهدأ الوضع السياسي من المناورات السياسية والادخارات السلبية التي تعكس واقع البلد الذي يعيش أزمة مستدامة.
لا يمكن إنكار المجهودات السابقة لبناء عراق جديد قائم على التوافق والمشاركة، لكن السباق السياسي المحموم بين الكتل السياسية اقترن هذه المرة بخيار كسر الإرادات، ومحاولة إجهاض المشروع الوطني وإفشال عمل الحكومة، والمساومة على مكاسب غير قانونية وبعيدة عن الشرعية، حيث إن الصراع بين الكتل والأحزاب السياسية أدى إلى عدم احترام المواد الدستورية وعدم احترام القانون، إذ لم تتعظ مما مضى من عمرها السياسي، لتبدأ استراتيجية جديدة وتتجاوز إخفاقاتها، حيث لم تعد قادرة على إنتاج مخرجات مفيدة للمشروع السياسي، ما أدى إلى إدامة زخم الفوضى وعدم انتظام هذا البلد في دائرة البناء والتنمية الحقيقية.
إن النضج السياسي هو العامل المفقود في العملية السياسية الراهنة، فالعراق بحاجة إلى توافق داخلي عاجل للخروج من التقوقع المحاصصاتي المستهلك، وإعادة بناء عملية سياسية نقية يتخذ فيها القرار بالأغلبية، وهذا ممكن إذا التزمت جميع القوى السياسية بالدستور، واعتمدت الحوار البنّاء طريقاً لحل المشاكل، فالقرار السياسي لا بد أن يكون وطنياً مستقلاً، لا أن يكون مؤدلجاً لصالح جهات داخلية وخارجية تعمل لغايات نفعية، وعلى الأحزاب أن تكون على قدر من المسؤولية، وأن تجد حلولاً حقيقية بنوايا صادقة ، والبحث عن آلية جديدة لإدارة الأمور وفق ترجيح الأصلح من الآراء لتشخيص الأزمة ومعالجتها.