«حكايات أهل الفن»

قصة أول من لحن قصيدة لنزار قباني

ت + ت - الحجم الطبيعي

في زمن الوحدة السورية ــ المصرية (من 1958 إلى 1961) توافد العديد من نجوم الفن السوريين إلى القاهرة بحثاً عن النجومية والشهرة والانتشار. أحد هؤلاء كان الملحن والمطرب نجيب السراج المولود في حماة سنة 1923 والمتوفى في دمشق سنة 2003، والذي حل في القاهرة في عام 1960 وسرعان ما لمع اسمه وعرفه الجمهور العربي الكبير كمطرب سوريا الأول.

جاء السراج إلى مصر مصطحباً معه صديقه وزميله ونديمه وخال زوجة أخيه الأديب المرحوم عدنان قمباز الذي كان قد تعرف عليه وتوثقت صلته به منذ منتصف الخمسينات.

وكان مجيئه إلى قلعة الفن المصرية من بعد سنوات من المعاناة والتنقل من مسكن إلى آخر ومن مدينة سورية إلى أخرى، والكثير من المشاكل المعيشية التي اضطرته للعمل في مهن متواضعة كخياط وبائع متجول ومنجد، ناهيك عن معاناته من حالة عدم الاستقرار بسبب سوء الأحوال الاقتصادية والاضطرابات السياسية التي كانت سائدة في سوريا الأربعينات والخمسينات.

لكن الرجل كان مسلحاً بالطموح والرغبة العارمة في الارتقاء بنفسه فنياً، خصوصاً وأنه كان قد تعلم العزف على العود على يد العازف الدمشقي القدير عمر النقشبندي، وحفظ الكثير من أغاني التراث السورية من خلال تردده على سهرات البيوتات السورية العريقة مثل سهرات آل البرازي وآل الكيلاني وغيرهم، بل كان فوق ذلك متذوقاً للشعر العربي بدليل أن أول لحن قدمه بصوته للإذاعة السورية سنة 1945 كان لقصيدة «إنْ كنت تنساني فلست تهواني» للطبيب الشاعر وجيه البارودي، والتي غناها آنذاك تحت اسم مستعار هو (فتى حماة).

كما أن الأغنية التي قدمها هدية لبلاده بمناسبة عيد الجلاء عام 1947 كانت أيضاً عبارة عن قصيدة بعنوان «مجد الجلاء» للشاعر شفيق جبري، وقد غناها حياً على الهواء بسبب عدم امتلاك الإذاعة السورية لآلات تسجيل وقتذاك.

في القاهرة تعرف السراج على محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد المطلب وكارم محمود ونجاة الصغيرة وشادية، ودعاه عبد الوهاب إلى منزله على العشاء ليستمع منه فغنى أمامه قصيدة «يا بيتها» لنزار قباني، والتي كان لحنها عام 1952م في وقت لم يكن فيه نزار قد اشتهر بعد، لذا فإن السراج يعد أول مطرب يغني قصيدة لنزار. وبطبيعة الحال سأله عبد الوهاب عن صاحب القصيدة فكانت إجابة السراج:

«هذا شاعر سوري روحه حلوة». ويقال إن عبد الوهاب أطلق عليه في تلك السهرة لقب «عبد الوهاب سوريا» أمام ضيوفه من أهل الفن، وأن السراج كان سبباً في تعرف عبد الوهاب لأول مرة على شعر نزار، وربما سبباً أيضاً في تحمس الموسيقار الكبير لتلحين قصيدة «أيظن» القبانية كي تؤديها نجاة الصغيرة.

كتب عنه صديقه عدنان القمباز قائلاً: «رغم أن عبد الوهاب سمى نجيب بعبد الوهاب سوريا، إلا أنه كان يشبه الموسيقار رياض السنباطي في أخلاقه وفي عزلته وفي حبه لتلحين القصيدة وفي اعتذاره وهروبه من الظهور في الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع»، خصوصاً بعد أن فقد أمه الغالية عام 1984، حيث تأثر كثيراً بوفاتها وانكفأ في بيته ولم يعد يخرج إلا لماماً، علماً بأنه ودعها بأغنية مؤثرة من ألحانه وكلمات الشاعر الكبير عمر أبو ريشة عنوانها «وداع».

بقي أن نعلم أن السراج كان شديد التعلق بوطنه السوري، بل كان عاشقاً لكل مدنه، بدليل أنه غنى لدمشق (أدمنت حبك يا دمشق.. حبي أنا وله وعشق)، وغنى لحمص (حمص كم غنيتك وردة وردة قبل موالي وبعده)، وغنى لحماة (حماة في خاطري لحن وأغنية، وفي ضميري صبابات أعانيها)، وغنى لحلب (هاجت الشوق تقاسيم صبا، فهفا القلب وناجى حلبا).

وأخيراً فإن السراج يعد من المطربين القلائل الذي سجل الجل الأعظم من أعماله في الإذاعة (الإذاعة السورية وإذاعة الشرق الأدنى وإذاعة صوت العرب وإذاعة لندن وإذاعات تونس وليبيا والجزائر)، بمعنى أنه لم يغن إطلاقاً في الأماكن العامة والصالات الليلية أو في الأفراح، علماً بأنه لحن وغنى بصوته نحو 300 أغنية، ومثلها قدمها لغيره من فناني سوريا ومصر.

Email