«ماسبيرو».. التاريخ أم الاستثمار؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

مبنى التليفزيون المصري الشهير «ماسبيرو»، هل يظل في مكانه في وسط القاهرة، أم ينتقل إلى العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة؟!

هذا السؤال يثير الجدل منذ أكثر من عامين، وهو جدل تجدد قبل أيام، حينما قال البعض إنه سيتم تنفيذه، لكن الجهات الرسمية نفت ذلك بقوة.

أطرح هذا الأمر للنقاش اليوم، ليس فقط بسبب مبنى ماسبيرو. ولكن لأنه أمر قد يتكرر مع مبانٍ ومواقع أخرى مهمة، يرى البعض أنها أثرية وتاريخية، ويرى آخرون أن التطوير والتجديد والاستثمار سُنة الحياة، ولا يمكن استبعاد أي شيء، طالما أن الوزارات نفسها سوف تنتقل من منطقة وسط البلد.

لمن لا يعرف، فإن مبنى التليفزيون المصري، يقع في قلب القاهرة، على كورنيش النيل، وهو على مسافة خطوات قليلة من ميادين عبد المنعم رياض والتحرير ورمسيس، ويواجه فنادق ومباني تاريخية مهمة وقريبة أيضاً، مثل وزارة الخارجية وجامعة الدول العربية، والعديد من الفنادق التاريخية، خصوصاً شبرد وماريوت وسميراميس وريتز كارلتون، ومنطقة بولاق أبو العلا.

المبنى الدائري الشهير، أمر ببنائه الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، في أغسطس 1959، وتم افتتاحه في 21 يوليو 1960، حيث بدأ البث الفعلي في ذات اليوم، احتفالاً بالذكرى الثامنة لثورة يوليو 1952. المبنى العملاق، يقع على مساحة 12 ألف متر مربع تقريباً، وتكلف إنشاؤه 108 آلاف جنيه مصري، بأسعار ذاك الزمان، وهى تساوي الآن مليارات الجنيهات، المبنى مترامي الأطراف، ويمكن أن يتوه داخله حتى بعض العاملين فيه، من اتساعه.

اسم ماسبيرو، أطلقه كثيرون عليه، تيمناً باسم عالم الآثار الفرنسي الشهير جاستون ماسبيرو، الذي تولى رئاسة هيئة الآثار المصرية، ولعب دوراً مهماً في العديد من الاكتشافات الأثرية.

التليفزيون المصري، ومعه الإذاعة المصرية، في نفس المبنى، ومنذ الافتتاح وحتى 2011، لعب دوراً رئيساً في تشكيل القوة الناعمة المصرية، في العديد من الأقطار العربية، خصوصاً في المواد الدرامية، لكن هذا التأثير تراجع إلى حد ما بعد 25 يناير 2011، لأسباب يطول شرحها، وليس هذا مكانها اليوم.

ذات يوم، كان عدد العاملين في هذا المكان، نحو 47 ألف إعلامي وموظف وعامل، تصل مرتباتهم لأكثر من 250 مليون جنيه مصري شهرياً، لكن الحكومة المصرية بدأت خطة هيكلة منذ سنوات، وأوقفت التعيينات الجديدة، ما خفض عدد العاملين لحوالي 33 ألف شخص، ويعتقد مراقبون أن المكان يمكن تشغيله بأقل من خمسة آلاف شخص.

التطور المهم، هو أن الحكومة المصرية بدأت منذ سنوات قليلة، تطوير منطقة ماسبيرو العشوائية، التي تقع بجوار وخلف هذا المبنى، وتم إزالة معظمها، وحلت مكانها أبراج حديثة وفخمة وشاهقة، يخصص جزء منها لأهالي المنطقة، الذين فضلوا البقاء.

كثيرون يسألون، ما المانع من نقل مبنى التليفزيون إلى مبنى آخر في العاصمة الإدارية، يستوعب العدد الحقيقي اللازم لتشغيل القنوات، وأن يتحول المبنى الحالي إلى فنادق ومراكز تجارية، تدر عوائد مالية كبيرة للخزينة المصرية، بدلاً من أن يستمر المبنى في استنزاف أكثر من ربع مليار جنيه شهرياً؟!!

ومقابل هؤلاء، فهناك كثيرون أيضاً يعارضون هذا التوجه، ويقولون إنه مبنى أثري وتاريخي، وذو رمزية كبيرة، وبالتالي، ينبغي الحفاظ عليه، ويقولون أيضاً إنه لا ينبغي إخضاع كل شيء للقيمة الاقتصادية التجارية، وإلا لقمنا بإنشاء فنادق أو مراكز تجارية، بدلاً من أبو الهول والأهرامات!!!

العديد من الجهات الرسمية المصرية، نفت كل ما يثار عن نقل ماسبيرو للعاصمة الإدارية، والهيئة الوطنية للإعلام، كررت النفي قبل أيام، وقالت إنه مستحيل عملياً، لأن نقل 25 ألف موظف للعاصمة الإدارية، سيحتاج لـ 50 مليون جنيه شهرياً، كبدلات فقط، ناهيك عن المرتبات الأصلية، وكذلك أسطول من السيارات الحديثة، وهو رد منطقي، إذا كان هدف الحكومة الحقيقي، هو ترشيد الإنفاق عموماً، وفي هذا المبنى خصوصاً، لكن مع استثمار بعض الأموال في تطوير قطاع الأخبار، وبرنامج «صباح الخير يا مصر»، وبرنامج السهرة الرئيس، وعنوانه «التاسعة».

دعونا نترك التفاصيل، ونعود إلى النقطة الأصلية، وهي ما الأفضل لمصر والمصريين في هذا الجدل المتكرر؟

وجهة نظر موضوعية، تقول إن الكثير من الأماكن والهيئات التاريخية والرمزية العالمية انتقلت، مثلما حدث مع مبنى «بي بي سي» في لندن، وكذلك في كل العواصم التي تغير مكانها، مثل ريو دي جانيرو وبرازيليا في البرازيل.

النقطة الجوهرية المهمة، أن الصندوق السيادي المصري، قد انتقلت إليه ملكية العديد من المباني التاريخية في منطقة وسط البلد، خصوصاً «مجمع التحرير»، والعديد من مباني الوزارات، مثل وزارة الداخلية، ومبنى الحزب الوطني المنحل، الملاصق للمتحف المصري الشهير، ويقع في ميدان عبد المنعم رياض، على أطراف ميدان التحرير.

ظني الشخصي، أن وجهة النظر الخاصة بالاستثمار الاقتصادي للعديد من المباني التاريخية، سوف تنتصر في النهاية، خصوصاً إذا استمر تراجع تأثير التليفزيون المصري، لصالح العديد من القنوات المنافسة، مصرياً وعربياً.

Email