حكايات أهل الفن

قصة الملحن كمال الطويل مع السياسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من منا لا يعرف كمال الطويل؟ إنه الملحن المصري الكبير الذي ارتبط اسمه باسم العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ منذ بدايات الأخير، وقدم له أجمل الألحان العاطفية الخالدة ومنها ألحان أغنيات: «الحلو حياتي»، «هي دي هي»، «بتلوموني ليه»، «في يوم في شهر في سنة»، «جواب»، «راح راح»، «الحلوة»، «بلاش عتاب» (آخر أغنية لحنها له)، «كفاية نورك»، «حلفني»، «بيني وبينك إيه»، «صدفة»، «في يوم من الأيام»، «بعد إيه»، «بيع قلبك»، «لا تلمني»، «على قد الشوق»، «سمراء»، «نعم يا حبيبي»، «أبو عيون جريئة»، و«أسمر يا اسمراني». وهو الملحن الفذ الذي لم يبخل بروائعه على مطربين آخرين من قمم الغناء المصري مثل نجاة الصغيرة وليلى مراد ووردة ومحمد عبدالمطلب ومحمد قنديل، كما لحن أغاني معدودة لأم كلثوم لعل أشهرها «والله زمان يا سلاحي» التي اعتمدت نشيداً وطنياً لمصر حتى نهاية سبعينات القرن الماضي.

ولد كمال محمود زكي الطويل الشهير بكمال الطويل في طنطا عام 1923 لأسرة وفدية معروفة، وأنهى دراسته الثانوية بها، ثم نزح إلى القاهرة بحثاً عن المجد الفني بسبب تعلقه بالموسيقى منذ صغره. وهناك سعى لمقابلة شيخ الملحنين زكريا أحمد ليسمع منه رأيه في ألحان كان وضعها، لكن رد زكريا كان صادماً، حيث قال له: «روح اتعلم العود الأول». وبالفعل ذهب الطويل والتحق بمعهد الموسيقى العربية بالإسكندرية سنة 1946 الذي درس فيه العود والمقامات والنوتة الموسيقية لمدة سنتين، قبل أن يكمل دراسته الموسيقية بمعهد الموسيقى العربية بالقاهرة ويتخرج فيه عام 1949.

احترف الطويل التلحين ولم يقترب من الغناء إطلاقاً بما فيه غناء ألحانه، حيث كان رافضاً لتسجيل أي لحن بصوته طوال عمله بالإذاعة المصرية من 1956، وطوال عمله بوزارة التعليم إلى عام 1965.

اعتزل الطويل التلحين لسنوات طويلة، لكنه عاد مجاملة لصديقه المخرج يوسف شاهين ليضع فقط الموسيقى التصويرية لفيلم «المصير» لشاهين، وقبل وفاته سنة 2003 ببضع سنوات قدم آخر ألحانه وهو لحن قصيدة «درس خصوصي» للشاعرة الكويتية سعاد الصباح والتي غنتها نجاة الصغيرة.

وصفه الطبيب الخاص للعندليب د. هشام عيسى في كتابه «حليم وأنا» بقوله: «كان كمال شامخاً في خلقه كما في فنه، وطوال حياته لم يتقاض أي مقابل مادي عن ألحانه.. كان يتصرف كأنه هاوٍ.. يؤلف ألحانه بواسطة البيانو بمنزله، وكان قادراً أن ينقر على زجاج سيارته ليخرج بلحن رائع».

أصابته هزيمة يونيو بطعنة دامية وسببت له إحباطاً شديداً، وأخذ ينظر إلى ماضيه بألم، وأحس أنه ورفاقه شاركوا في كل السلبيات التي أدت إلى الهزيمة. وبعد وفاة الرئيس عبدالناصر، حينما سمح الرئيس السادات بتشكيل الأحزاب، التحق الطويل بحزب التجمع اليساري المعارض بزعامة خالد محيي الدين، حيث كانت له ميول يسارية واضحة. وبعد نصر أكتوبر 1973 عرض عليه العندليب أن يلحن أغنية «عاش اللي قال الكلمة المناسبة في الوقت المناسب» من نظم محمد حمزة كتحية للسادات بمناسبة العبور، لكنه رفض بمجرد قراءته للسطر الأول منها قائلاً: «لن ألحن بعد اليوم أي قصيدة في مدح شخص مهما كانت عظمته.. وإذا أردت لحناً فلتكن تحية للشعب المصري». وكأنه بهذا كان يحاول أن يرتد عن تاريخه الحافل بأغانٍ وطنية مجدت الزعيم، أو تغنت بعهده، ووضعها خصيصاً لصديقه العندليب مثل أغاني: «يا جمال يا حبيب الملايين»، «ابنك يقولك يا بطل»، «أحلف بسماها»، «بالأحضان»، «بالدم»، «بركان الغضب»، «حكاية شعب»، «صورة»، «المسؤولية»، «مطالب شعب»، «ناصر يا حرية»، و«يا أهلاً بالمعارك».

يقول هشام عيسى إن الطويل أحضر بعد أيام كلمات أغنية جميلة من تأليف سيد حجاب، وهي أغنية «الباقي هو الشعب» كي يلحنها للعندليب، لكن الأخير رفض أن يغنيها بحجة أن مؤلفها شيوعي، وأن الأغنية فيها تعريض بالجيش الذي كان وقتذاك يعاني من ثغرة الدفرسوار، فذهبت الأغنية لعفاف راضي.

انتقل الطويل بعد ذلك من حزبه اليساري إلى حزب عائلته (الوفد)، فانتخب ممثلاً له بمجلس الشعب. وهكذا غرق في العمل السياسي على حساب الفن، فلم يقدم، قبل وفاته سوى ألحان فيلم المصير، ولحن أغنية «درس خصوصي» المشار إليهما. وتكريماً له أهدى يوسف شاهين فيلمه «إسكندرية نيويورك» لذكرى كمال الطويل.

Email