كيف تستطيع سريلانكا علاج مشاكلها الاقتصادية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

صحيح أن أعمال العنف والفوضى التي شهدتها سريلانكا قد خفت حدتها، بعد أنْ تخلت عائلة راجاباكسا عن السلطة، لكن الصحيح أيضاً أن العهد الجديد بقيادة رانيل ويكريمسينغا الذي اختاره البرلمان الشهر الماضي بديلاً عن الرئيس الهارب غوتابايا راجاباسكا، يواجه من التحديات الثقيلة ما قد يقلب الطاولة عليه كسلفه إنْ لم يسارع إلى إيجاد حلول واقعية لها.

وبمعنى آخر، فإن تغيير رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لن يحل وحده ما تعانيه هذه البلاد من مآزق اقتصادية ومعيشية.

فويكريمسينغا ورئيس حكومته المعين «دينيش جوناوردينا» ورثا اقتصاداً منهكاً، وعملة فقدت ما يقرب من نصف قيمتها، وتضخماً في الأسعار وصل إلى أكثر من 60 في المئة، ونقصاً حاداً في الوقود والغذاء والكهرباء، وبنكاً مركزياً خالياً من العملات الصعبة اللازمة لتمويل الواردات، وديوناً خارجية بقيمة 51 مليار دولار (خدمة هذه الديون في ما تبقى من العام الجاري تحتاج إلى نحو 7 مليارات دولار).

ونجد تجليات الوضع الاقتصادي الخانق في سريلانكا في عجز الحكومة حتى عن سداد رواتب موظفيها والعاملين في القطاع العام.

ومن هنا، كان كلام المسؤول السابق في المصرف المركزي السريلانكي بروفيسور علم الاقتصاد «فيدورا تينيكون» حول ضرورة التحرك بسرعة لإصلاح الأمور قبل أن تنفلت الأوضاع مجدداً بفعل الضغوطات المعيشية اليومية، وذلك بالتخلي تماماً عن السياسات والممارسات القديمة والقيام بإصلاحات اقتصادية جوهرية، مع القيام بحملة دبلوماسية لإقناع الدائنين الكبار في بكين وطوكيو ونيودلهي بتقديم المساعدة وشطب بعض الديون المستحقة.

ومما لا جدال فيه أن سريلانكا اليوم أمام وضع اقتصادي غير مسبوق، وتواجه أربعة تحديات رئيسية مترابطة ببعضها البعض، يتعين على الحكومة الجديدة معالجتها دون إبطاء: وتشمل هذه التحديات، أولاً: كبح جماح التضخم في أسعار المواد الغذائية (خصوصاً الأرز والقمح والسكر) التي شهدت ارتفاعات تراوحت ما بين 76% و 200% بحيث بات الأجر اليومي للموظف غير كافٍ لتأمين وجباته الثلاث. ثانياً: تأمين وقود الطهي الذي تحولت أسطواناتها إلى سلعة يتقاتل عليها الناس في الشوارع.

ثالثاً: إعادة فتح دور العلم المغلقة منذ عدة أشهر مع تأمين احتياجاتها كي تؤدي دورها الطبيعي. رابعاً: العمل على الحصول على حزمة مساعدات عاجلة في شكل هبات أو منح مؤجلة الدفع لاستيراد الوقود اللازم لإعادة تشغيل وسائل النقل العام، وبالتالي تأمين الانتقال السريع والآمن للجماهير.

في الماضي اعتمدت سريلانكا في إيراداتها على مصدرين هما السياحة وتحويلات مواطنيها العاملين في الخارج، لكن كلا المصدرين لم يعودا متاحين. فالسياحة بارت وتوقفت ولن تعود في ظل الاضطرابات والفوضى الأمنية ونقص الخدمات.

وبالمثل فإن العمالة السريلانكية في الخارج لن تجازف بتحويل مدخراتها إلى عملة وطنية فقدت قيمتها ولم تعد موضع ثقة. ولهذا يقول البروفسور تينيكون إنه لا مفر أمام الحكومة الجديدة من تقليص عجز الميزانية عبر تخفيض النفقات التي كانت دائماً ضعف الإيرادات.

ويقترح الخبير السريلانكي أن تتوقف الحكومة عن سياسة طبع المزيد من النقود لأن من شأن ذلك إحداث المزيد من التضخم، وأن تعتمد بدلاً من ذلك سياسة إصلاح الميزانية عبر تخفيض الإنفاقات ورفع الضرائب مع إعادة هيكلة ديون البلاد الضخمة التي علقت الحكومة السابقة مدفوعاتها في إبريل الفائت، حيث كانت نسبة %45 منها مستحقة لمستثمرين من القطاع الخاص بينما كانت النسبة المتبقية مستحقة لدول ومؤسسات متعددة الجنسيات كالصين واليابان والهند وبنك التنمية الآسيوي والبنك الدولي.

وهناك من اقترح أن خلاص سريلانكا يكمن في اللجوء إلى طلب المساعدة من البنك الدولي، مؤكداً ما ينطوي على هذا الخيار من آلام ومصاعب لن تكون بأي حال أسوأ مما تتجرعه الجماهير حالياً.

لكن المشكلة أنه حتى البنك الدولي غير مستعد لإقراض سريلانكا ما لم تقدم الأخيرة تأكيدات وضمانات حول استعادة قدرتها على تحمل الديون، وحول استقلالية البنك المركزي السريلانكي، ومحاربة الفساد وسيادة القانون.

وهو ما يعني أن سريلانكا بحاجة أولاً وقبل كل شيء إلى الاستقرار السياسي، وهذا بدوره يحتاج إلى نيل رئيس الجمهورية ورئيس حكومته لتفويض سياسي قوي من البرلمان والشارع، بمعنى أنْ توحد القوى والأحزاب السياسية لمرئياتها وجهودها خلف الحكومة، وأن تعمل معها يداً بيد تحت شعار «توحيد الأمة وتعزيز مؤسسات الدولة والخضوع للقانون».

غير أن هذا يبدو بعيد المنال، خصوصاً إذا ما علمنا أن الرئيس الجديد للبلاد ليس من الشخصيات السياسية المؤثرة ذات التاريخ الناصع والكاريزما الجماهيرية بحيث تنجح في انتزاع التخويل المطلوب لإحداث التغيير دون اعتراضات. ولعل هذا ما دفع البعض للتشكيك حتى في قدرة ويكريمسينغا على إكمال الفترة المتبقية من رئاسة سلفه الهارب.

 

Email