«قرون استشعار» لحظات الوداع

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المتوقع أن تنتاب المرء نوبة من المواجهات الحادة في مسيرته الوظيفية. ومن يظن أن تاريخه المشرف سوف يبقيه في منأى عن رياح التغيير هو مثل النعامة التي تدس رأسها في تراب، هرباً من الأخطار المحدقة. فحينما يحدث تغيير إداري، لا بد من أن يستعد المرء لتَغَيُر أمور كثيرة، ليس في إجراءات العمل فحسب بل حتى في الوجوه المعتادة.

وهنا نأتي للرصيد الثري من الإنجازات الذي لا يشفع للمرء أمام مسؤول جديد يصر على أن التغيير يبدأ من الأعلى، بخلع كل المسؤولين الحاليين. التغيير سنة الحياة، وهو مسألة اجتهادية، لكن ما يهمني هناك كيف يُعْمِل الإنسان «قرون استشعاره» إن جاز التعبير.

حينما تحين لحظات وداع أحد العاملين، تظهر علامات جلية في بيئة العمل إيذاناً بقرب الاستغناء عن خدماته. فحينما يكرر المسؤول المباشر الحديث عن أخطاء كان يتغاضى عنها في السابق، أو يدقق باستمرار في تفاصيل ليوجه أصابع النقد فذلك مؤشر مهم ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد. هناك من يتعمد تجاهل الأخطاء حتى تتراكم، ولذلك لا يحبذ التعليق على الأعمال، فيرسلها للإدارة العليا فوراً، حتى يروا حصيلة أخطاء من يريد التخلص منه! هذه الأمور لا يلاحظها الموظف «البريء» لأنه يفترض أن مديره الجديد سيحبه ويدافع عنه كما هو الحال مع أسلافه. غير أن بعضهم يكتشف الحقيقة بعد فوات الأوان.

ومن حباه الله بـ«قرون استشعار» يمكنه أن يقف عند أسباب المماطلة في الترقيات المشروعة. في عالم الترقيات، تحدث أمور خلف الأبواب المؤصدة، إذ تبنى القرارات على ما يقوله المسؤول المباشر. وحينما يخرج، يزعم أن قراراً أكبر منه قد اتخذ بحق المراد التخلص منه. كأنه يعلق «رغباته» الدفينة على شماعة آخرين. يفعل البعض ذلك إما ضعفاً، وإما لأنه «يخجل» من أن يواجه من له أنصار كُثُر، وربما أفنى جل حياته الوظيفية في هذا المكان.

مشكلة طول البقاء في مكان عمل واحد، أنها تشعر المرء بأنه سيمكث فيه حتى تقاعده، ولكنه ينسى أن بيئة العمل عرضة للاهتزازات والتغيرات التي يبدو أنه لم يعد يشعر بها. المهنية والحنكة تقتضيان أن يشغل المرء جميع أجهزة استقباله وإرساله ليرصد كل إشارة لكي يترجم مدى خطورتها عليه وعلى فريقه. فهناك من يفكر بنفسه، وينسى أنه قائد مسؤول عن المتفانين في إدارته. وقد رأيت أمثلة لقياديين يفتقرون للحس الإنساني، ممن قرروا التخلص من مرؤوس لكي يبقوا في كراسيهم. وهناك من هم على استعداد لتحميل الآخرين أخطاء مشتركة لتثبت عليهم التهمة ومن ثمة الاستغناء عن الخدمات.

نحن في مجتمع يميل نحو عدم المواجهة، وإذا ما قرر أحد التخلص من موظف، فإنه يعلق مشكلته على قرار الإدارة العليا أو تقليص النفقات، وربما يكون هو خلف ذلك الكمين الذي نصبه بنفسه. ولذلك كان تفعيل «قرون الاستشعار» مهماً في الأوضاع الطبيعة والأهم في حقبة التغيير.

Email