حكايات أهل الفن

قصة الراقصة وعالم البحار

ت + ت - الحجم الطبيعي

الدكتور حامد عبدالفتاح جوهر، المولود في منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة سنة 1907، والمتوفى عام 1992، عالم مصري فذ، ويعتبر رائد علوم البحار، ويلقب بـ «ملك البحر الأحمر». وهب زهرة شبابه وسنوات كهولته للعلم متخصصاً في علوم البحار والبيئة منذ حصوله على بكالوريوس العلوم مع مرتبة الشرف من قسم علوم الحيوان بجامعة القاهرة سنة 1926، وهي الشهادة التي اتبعها بأول رسالة تقدم في المملكة المصرية لنيل الماجستير سنة 1931، ثم أول دكتوراه في علوم الحيوان، قبل أن يلتحق للعمل بمحطة الأبحاث التابعة لجامعة القاهرة في عام 1932 تحت رئاسة العالم البريطاني «سيريل كروسلاند» الذي ترك مكانه لجوهر عام 1934.

ظل جوهر رئيساً لمحطة الأبحاث هذه لمدة 40 عاماً قام خلالها بأنشطة علمية لا تعد ولا تحصى. وبسبب علو كعبه في تخصصه العلمي دعته جامعة كمبردج البريطانية العريقة لزيارتها عام 1937، حيث مكث هناك مدة عامين، شارك فيهما في الكثير من الأبحاث العلمية، وزار خلالهما متاحف التاريخ الطبيعي البريطانية، وكتب أثناءهما سلسلة من المقالات للدوريات المتخصصة.

نشأت بينه وبين الملك فاروق الأول علاقة وطيدة منذ أن تقابلا في الغردقة على ساحل البحر الأحمر عام 1942، فاندهش الملك بسعة علمه واطلاعه في مجال كان يستهوي جلالته كثيراً، وقرر أن يدعم أنشطة جوهر العلمية، ما ساعد الأخير في بناء معهد لعلوم البحار ومتحف لعلم المحيطات والكائنات البحرية في الغردقة، وهما صرحان علميان تولى جوهر إدارتهما لمدة أربعين عاماً منذ تأسيسهما. علاوة على ذلك قام الرجل بإنشاء معهد الأحياء المائية في عتاقة بمدينة السويس محتوياً على متحف لأحياء البحر الأحمر.

إلى ما سبق عمل جوهر مستشاراً للأمين العام للأمم المتحدة لتنظيم المؤتمر الدولي الأول لقانون البحار بجنيف عام 1958، واختارته الوكالة الدولية للطاقة الذرية سنة 1959 رئيساً للجنة التخلص من النفايات النووية في أعماق البحار، كما حصل على عضوية اللجنة الاستشارية لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية، وأسهم في إعداد معجم البيولوجيا في علوم الأحياء والزراعة الذي أصدره مجمع اللغة العربية، والذي استغرق تنفيذه نحو 8 سنوات (من عام 1976 إلى 1984). وتقديراً لمجمل أعماله العلمية تم منحه جائزة الدولة التقديرية في العلوم عام 1974، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1975.

لكن ما علاقة كل هذا بالفن؟

أوردت صحيفة الوفد المصرية في أحد أعدادها، أن جوهر ذهب ذات يوم من عام 1982 إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون لاستلام مكافآته عن حلقات برنامج «عالم البحار» الذي ظل يقدمه أسبوعياً من التلفزيون المصري على مدى 18 عاماً، وبينما هو واقف مع الجمهور أمام شباك الدفع في طابور طويل، دخلت الراقصة المشهورة «سهير زكي» (ولدت في المنصورة عام 1945، واشتهرت في ستينات وسبعينات القرن الماضي بالرقص على أغاني أم كلثوم قبل أن تغزو السينما ومراقص الفنادق الفخمة وحفلات الزفاف الباذخة)، واتجهت مباشرة إلى شباك الدفع متخطية الواقفين في الطابور دون خجل أو حرج.

فوجئ المنتظرون بقيام الصراف بالترحيب الحار بها وتسليمها مبلغ 250 جنيهاً فوراً، ثم فوجئوا مرة أخرى بارتفاع صوت الراقصة وهي تعترض على المبلغ وتقول: «أنا أرقص ربع ساعة بالملاليم دي؟»، رغم أنها لم تكن تبذل جهداً يذكر سوى تحريك جسمها ومفاتنها، دعك من استخدامها فرقة الإذاعة والتلفزيون لمصاحبتها مجاناً.

المشهد استفز العالم جوهر فقرر التدخل، لكن بطريقة العلماء الحضارية المهذبة والراقية، فاقترب منها وقال لها: «أنا يا أستاذة أحضر من الإسكندرية وأجهز لحلقتي قبل تسجيلها بأيام، وأستخدم فيها كتباً ومراجع وخرائط وأفلاماً، ويعطوني 25 جنيهاً فقط لحلقة مدتها نصف ساعة». ليأتيه الرد بطريقة العوالم الخالية من الكياسة: «طب وأنا مالي.. متروح ترقص يا أفندي».

Email