اعتزال الإعلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

حتى الرجل العنكبوت «سبايدرمان» قرر اعتزال وسائل التواصل الاجتماعي حفاظاً على صحته العقلية! الممثل البريطاني الشاب «توم هولاند» قرر «حذف تطبيق انستغرام» كما نشرت «البيان» نقلاً عن لوس أنجليس تايمز.

ولا يبدو أن المغمورين فقط هم من يكابدون مشقة متابعة مظاهر التفاخر المرهقة في وسائل التواصل، ففي مقطع فيديو قصير قال سبايدرمان: «لقد أخذت استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي من أجل صحتي العقلية، لأنني أجد أن إنستغرام وتويتر يبالغان في التحفيز.

إنني أنشغل وأتدهور عندما أقرأ أشياء عني عبر الإنترنت، وفي النهاية، يكون ذلك ضاراً جداً بحالتي العقلية. لذلك قررت أن أتراجع خطوة إلى الوراء وأحذف تطبيق إنستغرام».

صحيح أن وسائل التواصل أفادت البشرية ووسعت مداركهم وأفق مشاهداتهم. غير أنها أيضاً قلصت الهوة بين الغني والفقير. كان الفقير في السابق يتعلق بالروايات والحكايات الشفهية ليدرك كيف يعيش الأثرياء، أما ميسورو الحال قليلاً من الفقراء فلديهم فرصة مشاهدة التلفاز الذي كشف لهم تفاصيل حياة الأثرياء حول العالم.

وفي عصرنا صارت ضغطة زر واحدة كفيلة بعرض الغث والسمين في حياة أثرى أثرياء البشرية لحظة وقوعها. حتى جاء من يقول إن ما يظهره بعض أراذل المجتمع مجرد ثوان أو دقائق معدودة من حياة بائسة.

هناك بالطبع من يخالفهم خصوصاً من يعوزون حفنة من مال اعتقاداً منهم أن مزيداً منه كفيل ببث نسائم السعادة في حياتهم. وتجد من الأغنياء من يتمنى التخلي عن جل ثروته في مقابل أن ينعم بعودة نعيم الصحة والعافية.

وهناك الصوت العقلاني الذي يظهر في خضم هذا النقاش، فيقول لا بأس بكثير من المال وكثير من الصحة للتمتع بحياة رغيدة، ثم يدخل عامل القناعة يتجاذب معنا أطراف الحديث فنختلف حول مقدار القناعة.

خلاصة هذه المعمعة الكلامية، أنها كانت في السابق حديثاً عابراً في أحد المجالس لكنها في عصر السوشيال ميديا معاناة يومية يكابدها ليس الفقراء على ما يبدو بل حتى الأغنياء والمشاهير وكبار المسؤولين.

فكان المسؤول في السابق يفرح إذا انتهى النهار ولم تهاجمه صحيفة مطبوعة فيطوي النسيان أي قرار مصيري اتخذه، بشروق شمس اليوم التالي. وكان الغني في السابق يرى متعة ثرائه في عيون أصدقائه وهو يمخر معهم عباب البحر في نزهة بحرية في «يخته» العملاق. غير أن هذا الثري وجد في عصر السوشيال ميديا من يقض مضجعه في صور لثراء أكثر فحشاً منه.

وذلك كله في صراع لا ينتهي، يدفع ثمنه الجمهور (المشاهد) وحتى اللاعبين أنفسهم (الناشطين في وسائل التواصل) الذين يبدو أنهم بحاجة إلى جرعات أكبر من قناعة الإيمان بقضية يتطلعون إلى إيصالها بعيدة عن القيل والقال.

وقد أظهرت دراسات عدة نشرتها سابقاً من أن متابعة الإنسان لوسائل التواصل الاجتماعي تؤثر على نفسيته وصحته العقلية، وقد تزيد الطين بلة في حالات الاكتئاب كما نشرت شبكة «جاما» للأبحاث العلمية.

غير أننا مدينون لوسائل التواصل الاجتماعي بكثير من الفضل إذ بلغت رسائلنا الآفاق في انتشار لم نكن ككتاب نحلم به يوماً ما. وصار النقد يأتيك من مشارق الأرض ومغاربها فيحمل معه نكهة مختلفة عن ذائقة محيطنا المحلي.

 

Email