قلوبهم معنا وسيوفهم علينا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تذكر المصادر التاريخية أن السبط الشهيد الحسين بن علي، رضي الله عنه، التقى في طريقه من الحجاز إلى العراق بالشاعر همام بن غالب التميمي الحنظلي، المعروف بالفرزدق، وكان قادماً من الكوفة، فسأله:

- أخبرني عن الناس خلفك؟

فأجابه الفرزدق:

- قلوب الناس معك وسيوفهم عليك، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء، وربنا كل يوم هو في شأن.

فاستصوب الحسين، رضي الله عنه، كلام الفرزدق، وقال له:

- صدقت، لله الأمر من قبل ومن بعد، يفعل الله ما يشاء، وكل يوم ربنا في شأن.

لسنا بصدد رواية ما حدث بعد ذلك، فهي حكاية انتهت بكارثة، وكانت فصلاً من فتنة كبرى، مضى عليها أكثر من 14 قرناً ولا تزال آثارها بيننا حتى اليوم، لكننا بصدد استخلاص الحكمة من مقولة الشاعر الفرزدق، تلك التي وضعها في كلمات قليلة، تصلح لكل زمان ومكان، فكيف يمكن أن تكون قلوب الناس معك، وسيوفهم عليك؟

رُبّ قائل يقول إن هذه صفة الجبناء الذين يعرفون الحق، لكن خوفهم يمنعهم من الوقوف مع أصحابه. هذه وجهة نظر تبدو منطقية، ولكن كيف أمكن للبشرية أن تزخر عبر تاريخها بكل هذا العدد من الجبناء الذين لم يستطيعوا الوقوف مع أصحاب الحق، رغم أنهم يعرفونه جيداً؟!

ثمة قائل آخر يقول إنه ليس الجبن هو ما يدفع إلى أن تكون القلوب في ناحية والسيوف في ناحية، ولكنها الحسابات الخاطئة التي تدفع البعض إلى اتخاذ قرارات غير صائبة في الأوقات الحرجة، حتى إذا ما اكتشفوا خطأ حساباتهم ندموا حيث لا ينفع الندم، وبكوا على اللبن المسكوب بعد أن تكون الأرض قد شربت اللبن ولم يعد بالإمكان جمعه من جديد، تماماً كما لا يمكن إعادة عجلة الزمن إلى الوراء لتصحيح ما سلف من الأخطاء.

في كتابه «الأرض الموعودة» الصادر أواخر عام 2020م، عرض الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إلى موقف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حين مارست الإدارة الأمريكية إبان ما يسمى «ثورات الربيع العربي» ضغوطاً على الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك للتنحي عن منصبه، وإلى موقف سموه من الاحتجاجات المشبوهة في البحرين، دون اعتبار أمريكي لتأثيرات ذلك على استقرار المنطقة.

ذكر أوباما في كتابه كيف حذره صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من خطر الإخوان المسلمين وتداعيات الضغط على مبارك. وقال: «تذكرت محادثة أجريتها مع محمد بن زايد مباشرة بعد أن طالبت مبارك بالتنحي.

شابٌّ، محنك، وربما أذكى زعيم في الخليج، لم يُنمق الكلمات في وصف كيفية تلقي الأخبار في المنطقة». وتابع: «أخبرني محمد بن زايد أن التصريحات الأمريكية عن مصر تخضع لمراقبة عن كثب في الخليج بقلق متزايد».

وقال: «أخبرته أنني أتمنى العمل معه ومع آخرين لتجنب الاضطرار إلى الاختيار بين جماعة الإخوان والاشتباكات العنيفة المحتملة بين الحكومات وشعوبها». ونسب أوباما إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد قوله إن الرسالة العلنية لا تؤثر في مبارك، كما ترى، لكنها تؤثر في المنطقة.

وأضاف أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حذر من أنه إذا سقطت مصر وتولى الإخوان زمام الأمور، فقد يسقط ثمانية قادة عرب آخرون، وتابع: «ولهذا انتقد بياني، إذ قال إنه يظهر أن الولايات المتحدة ليست شريكاً يمكننا الاعتماد عليه على المدى الطويل. كان صوته هادئاً وأدركت أنه لم يكن طلباً للمساعدة بقدر ما كان تحذيراً».

تذكرت حين قرأت هذا الفصل من الكتاب أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد ذكر تفاصيل هذه المكالمة التي جرت بين سموه والرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في حوار مع الوفد الإعلامي الذي رافق سموه أثناء زيارته للصين أواخر عام 2015م، وقد تشرفت بعضوية ذلك الوفد، أي قبل إصدار أوباما لكتابه بخمس سنوات.

خلاصة القول إن الرئيس أوباما برر موقف الإدارة الأمريكية وقتها عندما قال: «لم يكن لديّ طريقة أنيقة لشرح التناقض الظاهر سوى الاعتراف بأن العالم كان فوضوياً، وبأنه في إدارة السياسة الخارجية، يجب عليّ الموازنة باستمرار بين المصالح المتنافسة، المصالح التي تشكلها اختيارات الإدارات السابقة، والطوارئ المستجدة».

كأني بالرئيس أوباما يحاول أن يقول لنا إن قلوبهم كانت معنا في الوقت الذي كانت فيه سيوفهم علينا، وهذه معادلة لا تستقيم أبداً في أيّ عصر من العصور، أيّاً كانت الأسباب والأعذار والحجج، لأنها تؤدي إلى كوارث من الصعب احتواء نتائجها.

 

Email