هل تحتاج مصر للحوار الوطني؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعض المصريين يسألون: هل تحتاج البلاد لحوار وطني؟ السؤال مشروع وأظن أن الإجابة هي نعم، وأسباب ذلك كثيرة وهي محور هذا المقال. ولمن لم يتابع هذا الموضوع نقول إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعا يوم 26 أبريل الماضي إلى حوار سياسي لكل القوى المجتمعية يحدد أولويات العمل الوطني في المرحلة المقبلة. المعارضة المدنية في مصر تلقفت دعوة الرئيس السيسي ورحبت بالحوار، واعتبرته خطوة مهمة تخرج البلاد من حالة الجمود السياسي التي عاشتها منذ سنوات.

وبعد هذه الدعوة وترحيب المعارضة، تشكل مجلس أمناء للحوار الوطني من 19 عضواً ومنسقه العام هو ضياء رشوان نقيب الصحافيين ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات.

الأعضاء الـ19 يفترض أنهم يمثلون الاتجاهات والتيارات الأساسية في المجتمع المصري، وكاتب هذه السطور يتشرف أنه أحدهم. وقد توافق الجميع في الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني على استبعاد جماعة الإخوان من الحوار، باعتبار أنها مصنفة إرهابية، وأيديها ملطخة بدماء المصريين، رغم محاولات العديد من قادتها مغازلة الدولة المصرية للمشاركة في الحوار.

وبعد مشاورات كثيرة ومطولة بين مختلف القوى السياسية انعقدت الجلسة الأولى للحوار الوطني في الأسبوع الأول من يوليو الماضي، أعقبتها ثلاث جلسات إجرائية لوضع القواعد التنظيمية لإدارة الحوار بالصورة التي تضمن نجاحه.

نعود للسؤال الذي بدأت به، وإجابته أن مصر كانت في حاجة ملحة لهذا الحوار الوطني المهم حتى تضخ دماً جديداً في شرايين المشهد السياسي، وبالتالي يتحقق الهدف الجوهري وهو تحقيق أكبر قدر من التوافق الوطني، وزيادة مناعة الدولة في وجه كل التحديات التي تواجهها.

أي مراقب ومتابع للشؤون المصرية في السنوات الأخيرة خصوصاً بعد تداعيات فيروس «كورونا» ثم الحرب الأوكرانية الروسية، سوف يدرك أن مصر تواجه تحديات كبرى خصوصاً في الأوضاع الاقتصادية. مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، والمفارقة أنها تستورد 80 في المئة من احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا، كما تستورد منهما الذرة والزيوت.

والمفارقة الثانية أن ثلثي السائحين القادمين لمصر يأتون من البلدين ذاتهما، أي روسيا وأوكرانيا. ومع زيادة أسعار البترول لأرقام فلكية وتعطل سلاسل الإمداد والصراع الصيني الأمريكي اقتصادياً، ارتفعت فاتورة الاستيراد المصرية لأرقام كثيرة، وكانت النتيجة الاضطرار إلى إجراء التعويم الثاني للجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، ابتداءً من مارس الماضي، مما جعل قيمته تنخفض بحوالي 20 في المئة. كما قرر البنك المركزي رفع أسعار الفائدة لامتصاص التضخم.

وبسبب زيادة أسعار البترول عالمياً اضطرت الحكومة إلى رفع غالبية أسعار الوقود والنتيجة النهائية لكل ذلك كان ارتفاع غالبية أسعار السلع والخدمات. هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة قادت إلى نوع من التذمر بين بعض القطاعات الشعبية التي تضررت من ارتفاعات الأسعار.

وأظن أن هذا العامل الاقتصادي كان أحد العوامل التي دعت لإطلاق الحوار الوطني. لكن العامل الأهم أيضاً هو أن الدولة المصرية استقرت ورسخت بعد أن تغلبت على معظم تحديات الإرهاب والعنف، وبالتالي لم تعد تخشى شيئاً من المتطرفين والإرهابيين ومن يدعمهم، وكذلك من المعارضين، وكان ملفتاً للنظر سلسلة الإفراجات عن العديد من المحبوسين على ذمة قضايا رأي زاد عددهم على الـ 700 محبوس ما بين حبس احتياطي ومحكومين بأحكام نهائية صدر لهم قرارات عفو من رئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي اعتبرته المعارضة بادرة حسن نية من الحكومة.

والرئيس السيسي قال بوضوح إن الحوار كان يفترض أن يتم قبل سنوات، لكن تحديات الإرهاب والبناء هي التي أخرته.

إذاً الحوار السياسي في مصر كان مهماً ومطلوباً وملحاً لأن المشهد السياسي كان مجمداً ومصاباً بما يشبه الشلل، ثم جاءت الأزمة الاقتصادية لتضيف عاملاً ضاغطاً، وبالتالي فبعض المراقبين يقولون إن خطوة إطلاق الحوار الوطني كانت أمراً ضرورياً. ثم إن مصر مقدمة على حدث عالمي مهم وهو مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «كوب27» في شرم الشيخ نوفمبر المقبل، ويفترض أن تكون البلاد بأكملها جاهزة ومستعدة له حتى يحقق الأهداف المطلوبة.

Email