ما زلت أتذكر ذلك اليوم جيداً؛ يوم الاثنين 2 مايو 2011م. صحونا فجر ذلك اليوم على وكالات الأنباء تطيّر لنا خبراً عاجلاً؛ مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في «أبوت آباد» الواقعة على بعد 120 كيلومتراً من العاصمة الباكستانية إسلام آباد، في عملية اقتحام أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية، ونفذها الجيش الأمريكي، واستغرقت 40 دقيقة.
حالة من الاستنفار عمت مراكز وأقسام الأخبار في وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها. الكثير من القنوات التلفزيونية غير الإخبارية، ومنها تلفزيون دبي، قطعت إرسالها لتبث الخبر وتبدأ متابعة حية له. دبت الحركة في الإذاعات والقنوات التلفزيونية والصحف، وجرى استضافة محللين وخبراء للتعليق والاستقراء والتحليل والحديث عن عواقب هذا الاغتيال وما يمكن أن يجره من انتقام، لأن بن لادن لم يكن شخصية عادية في التنظيم، فقد كان الرمز والمؤسس الذي يراه أتباعه من أعضاء التنظيم، وغيرهم من الذين يقدسون الأشخاص أكثر من الفكرة، يرونه النموذج الذي يجب الاقتداء به، رغم أن التنظيم خارج عن النهج القويم للدين الإسلامي الحنيف.
تم اغتيال بن لادن بعد عشر سنوات من الملاحقة التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في أمريكا، والتي تبناها تنظيم القاعدة وأطلق عليها اسم «غزوة منهاتن». مصطلح «غزوة» استهوى كثيراً من الذين تحمسوا للفكرة من داخل التنظيم وخارجه، فقد حملهم المصطلح إلى عصر الغزوات الذي مضى عليه أكثر من 1400 عام، غير مدركين أن الزمن قد تغير، وأن هذه الهجمات قد تحدث أثراً نفسياً، يطول أو يقصر، ليرضي غرور من قام بها، لكنها تجر نحو الأسوأ، وأن مكاسبها الآنية خادعة، لأن ما يعقبها من خسائر يكون أكبر، وهو ما حدث فعلاً بعد أن انجلى غبار تلك «الغزوة» الخادعة، فظهرت القوة الحقيقية لكل فريق من طرفي المعركة، ليهرب قادة تنظيم «القاعدة» ومناصروهم إلى كهوف الجبال والمخابئ، وتتغير خرائط دول، وتختفي حكومات، وتقسّم دول، وتظهر تنظيمات وجماعات جديدة تحل مكان التنظيم الذي بدأ يضمحل، وإن كان بعضها قد وُلِد من رحم ذلك التنظيم، لكنه تمرد عليه واعتبره أقل من أن يحقق طموحات الإرهابيين الجدد.
عشر سنوات مرت لم يتم خلالها الانتقام لمقتل بن لادن، وموقع التنظيم تراجع كثيراً حتى كاد يغدو نمراً من ورق، واحتلت موقعه تنظيمات أكثر منه عنفاً، أصبح لها حضور على الأرض في بعض الدول والأماكن، وإن كانت نشأتها تثير أكثر من علامة استفهام، وتطرح أكثر من سؤال عن المستفيد من ظهورها، وعن مبرر وجودها، وعن المصادر التي تستمد منها قوتها وقدرتها على العمل في بلدان تسيطر قوى خارجية ومليشيات مسلحة على أراضيها وأجوائها ومياهها، ترصد كل حشرة تدب على أرضها وكل طائر يحلق في سمائها. عشر سنوات مرت لتحمل لنا الأنباء مقتل أيمن الظواهري، أحد مؤسسي التنظيم والذي خلف بن لادن في زعامته، يوم الأحد 31 يوليو الماضي، بعد عملية عسكرية استخباراتية دقيقة جرت في العاصمة الأفغانية كابول.
لم تحتج القواتُ الأمريكية هذه المرة طائراتٍ مروحيةً مثلما حدث في عملية اغتيال بن لادن، ولا جنوداً على الأرض، فقد تمت العملية بواسطة طائرة مسيّرة تحمل صواريخ ذات شفرات، انقض صاروخان منها على الظواهري وهو واقف في شرفة منزله بوسط العاصمة الأفغانية كابول، فشطراه دون أن يصيبا غيره، أو يسببا ضرراً للمبنى الذي كان يقيم فيه.
هل تفاعلت وسائل الإعلام مع خبر مقتل زعيم تنظيم القاعدة الثاني، وهل أعطته الأهمية نفسها التي أعطتها خبر مقتل زعيم التنظيم الأول قبل عشر سنوات؟
نعم، تفاعلت وسائل الإعلام مع الخبر، لكنها لم تعطه الأهمية نفسها التي أعطتها لخبر مقتل الزعيم الأول للتنظيم، فلم تقطع القنوات غير الإخبارية إرسالها، بل انتظرت مواعيد نشراتها المجدولة لتبث الخبر، ولم تضعه بعضها في مقدمة النشرة، الأمر الذي يدل على تراجع موقع تنظيم القاعدة، وتراجع أهمية قادته بعد عقدين من الزمان على «الغزوة» المزعومة التي بدت بعد كل هذه السنوات وكأنها لم تكن أكثر من «نزوة».
لم يعد مقتل الزعيم الثاني لتنظيم القاعدة خبراً مهمّاً تقطع له الإذاعات بثها، والقنوات التلفزيونية إرسالها، وتمنحه الصحف مساحة كبيرة من تغطياتها، ففي العالم اليوم صراعات وحروب تجري بين دول كبرى تقود إلى حافة الهاوية، وفي العالم اليوم عمليات كسر عظام ترى وسائل الإعلام أنها الأجدر بالاهتمام، وتلك الأيام نداولها بين الناس.