الإمارات وفرنسا.. الشراكة البناءة

ت + ت - الحجم الطبيعي

شكلت الزيارة المهمة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لفرنسا الأسبوع الماضي تأكيداً جديداً على عمق الشراكة الاستراتيجية التي تربط دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية فرنسا الصديقة، التي كانت الدولة الأولى التي قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، بأول زيارة دولة لها بعد تولي سموه رئاسة الدولة في 14 مايو الماضي.

أهمية الزيارة لا تتوقف عند دلالتها الرمزية باعتبار فرنسا المحطة الأولى لزيارات رئيس الدولة الخارجية، وإنما أيضاً لأهمية النتائج التي خرجت بها، حيث شهدت توقيع عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين دولة الإمارات وفرنسا بهدف تعزيز العلاقات الثنائية وتنمية آفاقها في مختلف المجالات الحيوية مثل الاقتصاد والتعليم العالي والصناعة والتكنولوجيا والبيئة والطاقة والثقافة والعديد من المجالات الأخرى، إضافة إلى إطلاق مجلس الأعمال الإماراتي - الفرنسي.

كما تمثل هذه الزيارة والنتائج التي أسفرت عنها على صعيد تعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ترجمة مباشرة لما أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، في خطاب سموه الأول لشعب الإمارات عقب تولي الحكم، من أن هدف السياسة الخارجية الإماراتية وتوجهها في المرحلة المقبلة يتمثل في «إقامة شراكات استراتيجية نوعية مع مختلف الدول».

وتتسم العلاقات الإماراتية الفرنسية بطبيعة خاصة، لأنها تشهد درجة عالية من التوافق السياسي بين البلدين تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية، ورغبة جادة من قبل قيادتي البلدين في العمل على الدفع بها إلى آفاق أرحب من الشراكة الاستراتيجية النوعية بين البلدين. كما تتسم هذه العلاقات بتنوعها الكبير وتغطيتها لمختلف المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية، بما في ذلك إقامة مشاريع مشتركة في مجال الطاقة المتجددة، والتعاون في مجال التكنولوجيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، والأمن الغذائي والصحة والفضاء، وغيرها.

وتمثل هذه الزيارة المهمة تتويجاً لسلسلة متصلة من الزيارات واللقاءات المتبادلة بين قيادتي البلدين والتي أسهمت في الدفع بالعلاقات الاستراتيجية بين البلدين إلى هذا المستوى المتميز. وتتيح هذه اللقاءات ضمان المتابعة العملية للمشاريع الرئيسة بين البلدين، والتي شهدت طفرة كبيرة منذ تدشين الحوار الاستراتيجي بين البلدين في عام 2012، قبل أن يعتمد البلدان في 3 يونيو 2020 خارطة طريق جديدة لشراكتهما الاستراتيجية في السنوات العشر المقبلة أي لفترة 2020 ـ 2030.

وعلى المستوى الاقتصادي، تحتلّ الإمارات المرتبة الثانية من بين الأسواق التجارية لفرنسا في الخليج العربي، إذ بلغت قيمة الصادرات الفرنسية إلى الإمارات 3.3 مليارات يورو. وبلغ حجم المبادلات التجارية الثنائية 4.8 مليارات يورو في عام 2019 وتحتضن الإمارات حالياً أكثر من ستمائة فرع للشركات الفرنسية ومعظمها تابعة للمجموعة الفرنسية الكبرى المدرجة في مؤشر كاك 40. كما تمثل الإمارات ثاني أكبر مستثمر من مجلس التعاون لدول الخليج العربية في فرنسا.

وعلى المستوى الثقافي والأكاديمي شهدت العلاقات بين البلدين الصديقين طفرة كبيرة مع تدشين العديد من المشروعات الثقافية النوعية بين البلدين مثل إنشاء متحف اللوفر أبوظبي في عام 2017 والذي يعد أوّل متحف عالمي في العالم العربي وأكبر إنجاز ثقافي فرنسي في الخارج، وإنشاء جامعة السوربون في أبوظبي (التي أُسست عام 2006) مركزاً للتبادل الثقافي والأكاديمي بين البلدين، كما كان التعاون بين البلدين مثمراً للغاية عندما تعاون البلدان في عقد مؤتمر أبوظبي من أجل حماية التراث الثقافي في مناطق النزاع /‏‏‏‏‏ ديسمبر 2016 والذي أفضى إلى إنشاء صندوق دولي لدعم التراث المعرّض للخطر وهو التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع.

لقد أصبحت العلاقات الإماراتية الفرنسية تمثل نموذجاً يحتذى به فيما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الدول من أجل خدمة المصالح المشتركة وخدمة القضايا الدولية ككل، وهو نموذج قابل للتطور أكثر في المستقبل مدفوعاً بالإرادة السياسية لقيادتي البلدين وحرصهما على الوصول بهذه العلاقات الاستراتيجية إلى أبعد مدى.

 

* كاتبة إماراتية

Email