حكايات أهل الفن

قصة الأم التي حــُرمت من الإنجاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أعتقد أن هناك من لم يسمع بالفنانة القديرة فردوس محمد صاحبة أدوار الأم الطيبة التقية المكافحة قوية الشخصية في كلاسيكيات السينما المصرية منذ ثلاثينيات القرن العشرين. في حياتها الكثير من المنعطفات الحزينة، هي التي أدخلت البهجة والسرور على حياة الملايين من عشاق الفن السابع.

ولدت فردوس في حي المغربلين بمدينة القاهرة في 5 مايو 1906، وتوفي والداها وهي في سن الثالثة، فتولى تربيتها الشيخ علي يوسف مؤسس جريدة المؤيد، الذي ألحقها بمدرسة إنجليزية في حي الحلمية، فتعلمت القراءة والكتابة والتدبير المنزلي.

دخلت مجال الفن عام 1927 من خلال مسرحيتها الأولى (مسرحية إحسان بك) مع فرقة أولاد عكاشة. لاحقاً عملت مع فرق إسماعيل يس وعبدالعزيز خليل ورمسيس وفاطمة رشدي. أما السينما فدخلتها في أواسط الثلاثينات مجسدة في الغالب الأعم دور الأم، حتى لمن كانوا أكبر سناً منها على نحو ما حدث في فيلم فاطمة الذي أدت فيه دور أم السيدة أم كلثوم، ولهذا أطلقوا عليها لقب «أم السينما المصرية»، غير أن شهرتها السينمائية الحقيقية بدأت عام 1940.

فبعد عدد من العروض المسرحية، لفتت أنظار المخرج محمد كريم فأشركها في فيلم «يوم سعيد» سنة 1940، حيث وقفت فيه أمام بطل الفيلم الموسيقار محمد عبدالوهاب مجسدة دور أم الطفلة أنيسة (فاتن حمامة)، ليتوالى عليها بعد ذلك الطلب، فشاركت في 120 فيلماً من أبرزها: عائشة، المهرج الكبير، سيدة القطار، شباب امرأة، صراع في الميناء، رد قلبي، العقاب، حكاية حب، غزل البنات، إبن النيل، الملاك الظالم، سيدة القصر، عنتر بن شداد، إحنا التلامذة، سلامة في خير، أبوحلموس، أين عمري وغيرها.

في أواخر حياتها عانت من مرض السرطان إلى درجة دخولها في غيبوبة تامة، ولم ينفعها سفرها إلى السويد لاستكمال العلاج، فتوفيت في 30 يناير 1961 عن عمر ناهز 55 عاماً، وحزن عليها كل أهل الفن الذين أحبوها وأحبتهم، خصوصاً وأنها تجنبت طيلة حياتها الدخول في صراعات مع زملائها وزميلاتها ولم تتحدث قط بسوء عن أي منهم، بل كانت مصدر الدفء والحنان ودفتر الأسرار لنجمات كبيرات مثل أم كلثوم، وفاتن حمامة.

تزوجت فردوس للمرة الأولى وهي في الرابعة عشرة من أول شاب تقدم لها بناء على نصيحة معيلها، لكنها تطلقت خلال خمس سنوات فقط بعد أن استحال عليها البقاء مع زوج كان يقسو عليها باستمرار، وهو ما جعلها تصف سنواتها معه بـ «أتعس أيام حياتي».

ثم تزوجت للمرة الثانية من الممثل محمد إدريس التي عاشت معه 15 عاماً انتهت بوفاته دون أن ترزق بأبناء، فقيل أن أشهر أم في السينما المصرية حــُرمت من الأمومة. سألوها ذات مرة كيف تجيدين تمثيل دور الأم رغم أنك لم تعرفي هذا الإحساس؟، فردت قائلة: «في أوقات كثيرة فاقد الشيء يعطيه، حرمت من إحساس حلو، وبحثت عنه على شاشة السينما».

ولزواجها من محمد إدريس قصة طريفة، مفادها أنها قررت السفر بصحبة فوزي منيب، صاحب فرقتها المسرحية، إلى فلسطين لتقديم بعض العروض هناك، لكن القانون آنذاك لم يكن يسمح لغير المتزوجات بالسفر إلى الخارج، وهو ما جعل منيب يقترح عليها أن تتزوج صورياً من منولوجست الفرقة محمد إدريس كحل للمشكلة.

وافقت فردوس على الاقتراح، لكن الزواج الذي بدأ صورياً ولغرض معين تحول إلى زواج حقيقي بعد أن وقع طرفاه في حب بعضهما البعض، وكان من الضروري توثيق عقد زواج جديد.

وأخيراً فإن هناك بعض المصادر التي قالت أنها خلال زواجها من محمد إدريس حملت ثلاث مرات، لكنها تعرضت للإجهاض في كل مرة، ما دعا إحدى صديقاتها لنصحها بإخفاء خبر حملها دفعاً للحسد، والتظاهر وقت ميلاد طفلها بأنها أتت به من الملجأ. وهذا ما فعلته حينما رزقت بابنتها الوحيدة «سميرة» من بعد طول انتظار وصبر ورجاء، حيث لم يعلم أحد أنها ابنة حقيقية لفردوس محمد إلا يوم زفافها.

 

Email