اتفاق الحبوب وصناعة الأمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

رسم الاتفاق الرباعي بين روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة وتركيا حول تحديد «ممر آمن» لنقل الحبوب من ثلاثة موانئ أوكرانية إلى العالم، «خريطة طريق» جديدة يمكن البناء عليها لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، فعلى الرغم أن روسيا وأوكرانيا وقعتا الاتفاق بشكل منفصل مع الأمم المتحدة حتى لا تكون هناك «وثائق دولية» بينهما، إلا أن الاتفاق تضمن دلالات وأبعاداً سياسية تضع أساساً واضحاً لإنهاء الحرب، والدفع نحو إنقاذ العالم من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي تركت نحو 47 مليون إنسان حول العالم في دائرة «الجوع الشديد»، وضاعفت أسعار الغذاء مقارنة بالأسعار التي كانت قبل اندلاع الحرب في 24 فبراير الماضي، فما هي «المسارات السياسية» التي يمكن أن يتم البناء عليها في «اتفاق الحبوب» بين روسيا وأوكرانيا؟ وكيف يمكن لهذا الاتفاق بأبعاده الغذائية والإنسانية أن يكون «قاطرة سياسية» لتشجيع كل الأطراف على الانخراط في حل سياسي مقبول من جميع الأطراف؟

أول اتفاق

تكشف تفاصيل أول اتفاق كبير بين روسيا وأوكرانيا «وسط الحرب» أن مساحات نجاح الدبلوماسية لا تزال قائمة، فالموانئ الأوكرانية الثلاثة أوديسا وتشيرنومورسك ويوزني التي سيتم تصدير الحبوب منها أصبحت بحكم الواقع «مناطق بلا حرب»، وأن المعارك والقصف لن يتوقف فقط في تلك الموانئ بل أيضاً في المناطق التي تأتي منها الشاحنات والقطارات التي تحمل الحبوب إلى تلك الموانئ، ويرتبط بتلك المناطق هدوء كامل في المياه الإقليمية الأوكرانية قبالة هذه الموانئ، كما أن كل الممرات البحرية من الموانئ الأوكرانية الثلاثة وصولاً إلى مضيق البوسفور ستكون آمنة تماماً سواء بنزع الألغام البحرية منها أو بعدم القيام بعمليات عسكرية فيها، كما أن السماح لروسيا بتصدير الحبوب والأسمدة يعني أن كل المناطق الروسية حول بحر أزوف ومضيق كيرتش وميناء سيفاستوبول ستكون مناطق آمنة، وكلها مناطق قريبة من شبه جزيرة القرم وجسر القرم الذي كانت أوكرانيا تهدد بقصفه خلال الأسابيع والأيام المقبلة.

نهاية «نوفوروسيا»

لكن أكثر مساحات التفاؤل التي يطرحها هذا الاتفاق هو أن روسيا من خلال بنود هذه المذكرات مع الأمم المتحدة وتركيا، باتت مستعدة بالفعل للتخلي عن حدود ما يسمى بجمهورية «نوفوروسيا» التي تضم بشكل رئيسي الساحل الجنوبي بالكامل لأوكرانيا، وفي المقدمة منها موانئ أوديسا وتشيرنومورسك ويوزنجي، وصولاً إلى جمهورية ترانسنيستريا التي تريد الانضمام لروسيا من دولة مولدوفا، وهذا يعني أنّ الحديث عن توسع الحرب من أوكرانيا غرباً ناحية مولدوفا يمكن أن يتوقف، وهذا يشجع على تخفيف المخاوف من اجتياح روسيا لمولدوفا التي باتت تتلقى مساعدات عسكرية غير مسبوقة من الناتو والغرب.

خطوط مع الأطلسي

ومن يقرأ ما بين السطور المتفق عليها يتأكد له وجود توازن سياسي بين مكاسب الطرفين، فمقابل تصدير أوكرانيا نحو 25 مليون طن من الحبوب خلال 120 يوماً ستتوقف العقوبات على صادرات روسيا من القمح والأسمدة، وسبق للرئيس فلاديمير بوتن أن وعد بتصدير 50 مليون طن من القمح، وهذا يعني أن الضغوط على الطرفين يمكن أن تصل لاتفاق عادل يراعي مصالح ومخاوف الطرفين الروسي والأوكراني، كما أن توسط دولة أطلسية وهي تركيا في هذا الاتفاق يقول بوضوح إن خطوط الاتصال بين الحلف وروسيا يمكن تفعيلها في أي وقت لإنهاء الحرب.

لا يختلف اثنان على أهمية اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا في تخفيض أسعار الغذاء في العالم، لكن المؤكد أيضاً أن هذا الاتفاق سيكون رافعة سياسية لبناء الثقة والتوصل لاتفاق نهائي ينهي الحرب، خاصة بعد أن تأكد للجميع أن الحرب هي أسوأ وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية.

Email