قرار مؤلم.. وحتمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

صباح الأربعاء 13 يوليو، اتخذت الحكومة المصرية قراراً صعباً، لم تكن تود أن تتخذه، وهو رفع أسعار الوقود، خصوصاً في هذه الأيام الصعبة، التي تواجه العالم أجمع، وليس مصر فقط. والسؤال، لماذا كان هذا القرار صعباً، وما تداعياته المحتملة؟!

العودة قليلاً للوراء، قد تكون مهمة لمعرفة خلفية القرار وأهميته، وكذلك الخوف من تداعياته. بعد أيام قليلة من تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في يونيو 2014، فإن أول قرار كبير اتخذه، هو رفع أسعار الوقود، والإعلان عن برنامج زمني لإعادة هيكلة هذه الأسعار، ومعها أيضاً أسعار الكهرباء، والسبب أن الدولة المصرية كانت تتحمل عبئاً كبيراً، يتمثل في دعم كل أنواع الوقود، ما يزيد من خطورة الأزمة الاقتصادية، خصوصاً زيادة عجز الموازنة، وعدم وصول هذا الدعم لغالبية مستحقيه، لأن جزءاً منه كان يذهب إلى القادرين الذين لا يحتاجونه.

لم يكن هذا القرار شعبياً لرئيس في بداية حكمه، لكن للموضوعية، فإن هذا القرار كان إشارة مهمة على أن السيسي لم يكن يبحث عن الشعبية، بقدر ما كان يريد إصلاح أوضاع الاقتصاد المشوهة منذ عقود. والدليل العملي على هذا الأمر، هو القرار الصعب جداً، الذي اتخذه السيسي في 3 نوفمبر 2016، حينما أعلن عن بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي، بقرار غير مسبوق في حجمه، بتحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار وبقية العملات الأجنبية، وفي اليوم ذاته، تقرر زيادة جديدة في أسعار الوقود.

لكن القرار الأول كان هو الأهم، لأنه أدى إلى إصلاح جزء كبير من الخلل الذي كان يكبد الدولة أثماناً باهظة، بعدم ترك الجنيه حراً، لتعرف قيمته الحقيقية. والخاسر الأكبر في النهاية، هو الموازنة العامة، أو تراكم الديون الداخلية والخارجية على الدولة.

لكن قرار التحرير أو التعويم، كان له آثار جانبية صعبة، ومنها أن ثروات وممتلكات ومدخرات المصريين، انخفضت بنفس نسبة انخفاض قيمة الجنية، والتي زادت وقتها عن 90 في المئة، وقفز سعر الدولار ليبلغ 16 جنيهاً، بعد أن كان سعره الرسمي حوالى 8.5 جنيات.

كان الكثيرون يعتقدون أن التعويم الذي تم وقتها عام 2016، كان تعويماً كاملاً، ثم تبين أنه تعويم «مدار» وموجه، والدليل علي ذلك، أن البنك المركزي المصري، قرر في مارس الماضي، خفض جديد لقيمة الجنيه، بنسبة وصلت إلى 20 في المئة، وقفز سعر الدولار فوراً ليصل إلى حوالى 18.8 جنيهاً، بدلاً من 15.65 جنيهاً.

وخلال كل السنوات الأخيرة، كانت الحكومة أعلنت عن خطة تتضمن جدولاً زمنياً لإعادة هيكلة أسعار الكهرباء، لكن هذه الخطة تأجلت في بعض السنوات أكثر من مرة، حينما شعرت الحكومة أن الاستمرار فيها قد يقود لصعوبات معيشية حادة، ما قد يؤثر في الاستقرار السياسي والاجتماعي لغالبية المصريين، خصوصاً أن حوالي 29 في المئة منهم يقعون تحت خط الفقر، طبقاً للبيانات الرسمية.

في 2019، اتخذت الحكومة خطوة مهمة جداً، حينما أعلنت عن وضع آلية للتسعير التلقائي لأسعار الوقود، بحيث يتحدد السعر بناء على عاملين أساسيين، الأول هو سعر خام برنت العالمي، ثم سعر الجنيه أمام الدولار، إضافة لعوامل فرعية أخرى، مثل أسعار الشحن والنقل والإمدادات، وتكلفة كل ذلك مجتمعة.

وظلت هذه الآلية تعمل بكفاءة نسبية، لكن، ونظراً للظروف المعيشية الصعبة، لم تقم الحكومة برفع أسعار السولار لمدة 30 شهراً متواصلة، خوفاً من سلسلة مستمرة من الزيادات في أسعار العديد من السلع المختلفة التي تستخدم السولار، خصوصاً وسائل النقل العام والأجرة والنقل الثقيل.

لكن صباح الأربعاء 13 يوليو، اتخذت الحكومة القرار الأصعب، وهو رفع أسعار الوقود، بما فيها السولار.

وطبقاً للبيان المالي لموازنة العام المالي الماضي، فإن فاتورة دعم المواد البترولية ارتفعت بـ 21 في المئة إلى 22.4 مليار جنيه، في حين توقعت وزارة المالية، ارتفاع الفاتورة في العام المالي الحالي بـ 25 في المئة، لتصل إلى 28.9 مليار جنيه.

والمعلوم أن الحكومة لم ترفع أسعار الغاز الطبيعي في القرارات الأخيرة، ولكنها رفعت أسعار كافة أنواع الوقود مع السولار، وكذلك المازوت، واستثنت المازوت المستخدم في محطات توليد الكهرباء والمخابز.

وجهة نظر الحكومة، عبّر عنها رئيسها د. مصطفى مدبولي، بعد ساعات من اتخاذ القرار، وهى أن الزيادة المستمرة في أسعار البترول عالمياً، لم تجعل هناك أي خيار أمام الحكومة. هو قال إن الحكومة اعتمدت 65 دولاراً لسعر برميل البترول في موازنة 2021ــ 2022، وسعر صرف 16 جنيهاً للدولار، وفي موازنة العام الحالي 2022ــ 2023، اعتمدت سعر البرميل 80 دولاراً، و18.5 جنيهاً لسعر الصرف، لكن الذي حدث أن سعر برميل البترول منذ أواخر فبراير الماضي، يتراوح ما بين 100ــ 120 دولاراً، وأن ما تتحمله الحكومة من دعم للسولار من خسارة يومية، يبلغ 178 مليون جنيه، انخفضت إلى 157 مليون جنيه، بعد الزيادة الأخيرة، التي بلغت أقل من 10 في المئة.

الحكومة تقول إنها لم تكن تستطيع أن تواصل هذا النزيف المستمر من الأعباء، في وقت مطلوب منها أعباء أخرى كثيرة، خصوصاً أسعار الحبوب والزيوت، والعديد من السلع الأساسية بسبب تداعيات فيروس «كورونا»، والحرب الروسية الأوكرانية.

هذه وجهة نظر الحكومة، لكنها هي ذاتها تقول أيضا إن المصريين تحملوا العبء الأساسي لمجمل برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ عام 2016.

ثم إن القضية الأهم أيضاً، هي أن عدداً كبيراً من الناس العاديين يقولون ما معناه: «ليس لنا علاقة بالتداعيات الدولية»، وبالتالي، يرفضون أي قرارات برفع الأسعار، وتلك قصة تحتاج نقاشاً مفصلاً، لأنها لا تتعلق بمصر فقط، بل في عديد من الدول التي تمر بنفس ظروفها.

 

Email