الجهاز السرّي الإخواني في تونس.. نحو كشف المستور

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمثل غداً رئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنّوشي أمام التحقيق القضائي في إطار ما يُعرف بقضية جمعية «نماء تونس» التي وُجهت فيها إلى الجمعية المعنية اتهامات بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ومن المتهمين في القضية إلى جانب رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، نجله معاذ وصهره وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام بوشلاكة ورئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي ومن سيشملهم التحقيق.

وقد نفت حركة «النهضة الإخوانية» الاتهامات الموجهة إلى قيادييها ووصفتها «بالملفّقة»، وقالت إن الغرض منها هو «تشويهها».

ومنذ الإعلان عن موعد مثول راشد الغنّوشي أمام التحقيق وحركة «النهضة» وحلفاؤها يمارسون ضغوطاً كبيرة في محاولة لتوجيه المسار القضائي في اتّجاه يخدم مصالحها ومصالح قيادييها، ومن ذلك الإيهام بأنّ «المحاكمة هي ذات طبيعة سياسية وهي محاولة لوأد مسار الانتقال الديمقراطي»، وهذا الخطاب هو كما لا يخفى على أحد موجّه بالأساس إلى الخارج من الدول الغربية في مسعى للعب على قيم مجتمعية تُعتبر الأساس في بناء المنظومات الليبرالية الغربية.

وقد بلغت هذه الحملة الأسبوع المنقضي أوجها مع اقتراب موعد التحقيق مع رئيس حركة النهضة الإخوانية راشد الغنّوشي، وذلك بدخول هذا الأخير على خطّ ممارسة الضغوط بنفسه، إذ ذكر في حوار مع «رويترز» الجمعة الماضي، أنّه «لا يستبعد إيقافه».

وأضاف الغنّوشي في حواره مع «رويترز» إنّ حزبه سيدعو إلى «التظاهر السلمي يوم 19 يوليو (غداً) للتعبير عن رفضه لهذه المحاكمات»، كما أنّه سيدعو لحراك مماثل يوم 23 يوليو الجاري، وذلك رفضاً للاستفتاء المزمع تنظيمه في 25 يوليو من الشهر ذاته، وذلك رفضاً لكامل المسار التصحيحي الذي انطلق يوم 25 يوليو 2021.

والشيء الثابت، أنّ حركة النهضة الإخوانية لم تكن يوماً في وضع حرج مثلما هي عليه الآن، وخصوصاً بعد الكشف عن بعض خبايا ما يُسميه الملاحظون بـ«الجهاز المالي السرّي» لحركة النهضة الإخوانية الذي كان عنوانه الأبرز هو عدد من الجمعيات الأهلية التي ظاهر نشاطها اجتماعي وخيري وباطنه يُفتح على سيناريوهات خطيرة «وما خفي قد يكون أعظم»، كما عبّرت عن ذلك مراراً هيئة الدفاع عن «الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي».

وقد أسرّ لنا مصدر أمني عليم أنّ قضية جمعية نماء تونس «ترتبط من حيث مآلاتها» مع قضية أخرى هي ما تُعرف بقضية جمعية «أنستالينغو» التي وجّهت لها أساساً تهمة «تبييض الأموال وخلق وفاق إجرامي قصد تغيير هيئة الدولة»، والتي يبدو أنّ التحقيق أثبت فيها العلاقة المباشرة وغير المباشرة مع حركة النهضة الإخوانية وبعض قيادييها.

والثابت أيضاً أنّ الحرج الإخواني من إثارة ملفّ الجمعيات الأهلية ودورها في تمويل نشاط «النهضة» المتنوّع، والذي يراوح بين العمل السياسي الظاهر ونشاطها الآخر غير المعلن، والذي تحوم العديد من الشبهات حوله.

والثابت كذلك أنّ فتح ملفّ هذه الجمعيات كشف عناصر جديدة في قضية «الجهاز السرّي» لحزب «النهضة الإخواني» وآليات عمله المتعدّدة، والتي شملت جلّ القطاعات، وخصوصاً القطاعات الأمنية والإعلامية والإدارية ومجالات رجال الأعمال والسياسة.

والثابت أخيراً أنّ هذه الآليات تتحرك وتنشط في إطار رؤية واضحة المعالم بالنسبة لحزب حركة النهضة الإخوانية، وهي الأساس في عملها ونشاطها رغم ظاهر المشاركة المعلنة في الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية.

ورغم أنّ «النهضة» تحكّمت بدرجات متفاوتة في مسار الحُكْمِ في تونس خلال العشرية الماضية إلّا أنّ الأصل في نشاطها وفي أهدافها بقي ذاته، وهو: تحقيق مزيد اختراق الإدارة والمجتمع، تمهيداً لتغيير هيئة الدولة وتبديل النموذج الحضاري التونسي، انسجاماً مع وحدة الطرح الأممي لحركة «الإخوان الدولية»، وهو هدف تتّحد فيه، كما هو معلوم في تجاربهم الميدانية وفي أدبياتهم الفكرية كلّ الحركات الإخوانية وجماعات الإسلام السياسي بمختلف فروقاتهم المعلنة.

إنّ العمل الجبّار الذي قامت به هيئة الدفاع عن «الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي» ساهم بحقّ في وضع حجر الأساس في تصحيح مسار الحقيقة من خلال الكشف عن وجود الجهاز السرّي لحركة النهضة الإخوانية، وكان لابدّ من توفّر الإرادة السياسية الكافية حتّى تضطلع الجهات الأمنية المختصّة بمهامها، ويقوم القضاء بدوره كاملاً في كشف ملابسات ما خفي من ممارسات حركة النهضة الإخوانية.

 

* كاتب تونسي

Email