من يعد إلى التسجيلات المصورة لأغنية «انت عمري»، التي وصفت بلقاء السحاب؛ لأنها جمعت للمرة الأولى بين عملاقي الطرب (أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب)، فسيجد أن الذي افتتح هذا اللقاء على مسرح سينما قصر النيل في السادس من فبراير 1964 بنغمة هو عازف آلة الكونترباص الفذ عباس فؤاد الملقب بـ«عظمة». فما هي قصة هذا اللقب وكيف ورثه ابنه من بعده؟ ثم كيف تحولت إلى عبارة «عظمة على عظمة»، التي عادة ما يطلقها جمهور حفلات السيدة أم كلثوم كلما انتشوا بصوتها وأنغام أغانيها الخالدة؟
بدأت الحكاية أثناء بروفات أغنية «انت عمري» حينما سمع ملحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب عزف عباس فؤاد الرائع على آلة الكونترباص فقال جملته التشجيعية «دي حاجة عظمة». ومنذ تلك اللحظة التصقت كلمة «عظمة» بهذا العازف الذي يـشاهد واقفاً خلف أم كلثوم ضمن أعضاء فرقتها وكأنه حارس لمعبد فرعوني بحسب كلام الصحفي المصري محمد الشاذلي الذي قال أيضاً: «كنت أنصت لما يعزفه من جمل موسيقية تضبط أداء الفرقة وتتحكم في سرعة اللحن فأشعر بأن لهذه الفرقة الموسيقية قائداً آخر خفياً غير المايسترو».
ولعباس فؤاد الذي يعتبر من أقدم عازفي الكونترباص في مصر ومن الذين رافقوا أم كلثوم منذ عام 1942، ابن اسمه عصمت (من مواليد الحلمية عام 1941، وتخرج في معهد كونسرفتوار القاهرة عام 1972، ونال شهادة الدكتوراه في الموسيقى الكلاسيكية من المعهد العالي للموسيقى بمدينة كولون الألمانية، ورحل عن دنيانا في ديسمبر 2007). و«عصمت عباس فؤاد» ورث الصنعة عن والده، وحينما استمع الموسيقار رياض السنباطي إلى عزفه على الكونترباص، أعجب به فطلب من أم كلثوم أن يضمه إلى فرقتها للعزف إلى جانب والده، فوافقت دون تردد. وبوفاة والده أصبح هو العازف الأساسي للآلة وورث عنه لقب «عظمة».
من الأمور التي تحدث عنها الدكتور عصمت في أحد الحوارات الصحفية المنشورة أنه في الحفلة التي غنت فيها أم كلثوم أغنية «انت عمري»، وأثناء جزء العزف المنفرد الخاص بوالده، كان عبدالوهاب يقف في كواليس المسرح وأخذ يشجعه بعبارة «عظمة على عظمة»، فسمع شخص من الجمهور هذه العبارة ورددها بصوت عالٍ. لتصبح بعد ذلك بمثابة صيحة دائمة في حفلات كوكب الشرق. وأضاف عصمت قائلاً: «وبعد الحفل سألت أم كلثوم والدي: (هو عبدالوهاب كان بيقول عظمة على عظمة لمين.. ليك ولا ليّ) فأجابها والدي، قائلاً: (ليكي طبعاً يا ست) فقالت له: (يا كداب).
ولعصمت أخ اسمه حسيب عباس فؤاد، توفي في يناير 2013 وكان قائداً لفرقة حسيب عباس الموسيقية التي أنجزت الأعمال الغنائية بالإذاعة المصرية على مدى عشرين عاماً منذ مطلع الثمانينيات، كما كان الشخص الثالث من عائلته في فرقة أم كلثوم كعازف على آلة الكمان.
ومع أن دور الكونترباص في الموسيقى الشرقية دور ثانوي يقتصر على مصاحبة آلات الإيقاع، وإشعار العازفين بالثبات والتحكم في سرعة اللحن، وتوضيح وبلورة الجمل الإيقاعية النغمية ومقام الأغنية، أي بعكس دوره المهم في الأوركسترا الغربية كصوت غليظ رئيسي وصاحب جمل موسيقية خاصة، إلا أنه لا غنى عنه؛ لأنه حلقة الربط بين الآلات المختلفة وبمثابة حزام للفرقة الموسيقية. يقول عظمة الثاني (عصمت عباس فؤاد) أن أكثر الألحان العربية التي لعبت فيها آلة الكونترباص دوراً كبيراً هي ألحان محمد عبدالوهاب، خصوصاً لحني أغنيتي «انت عمري» و«فات الميعاد».