بايدن والضمانات الأمريكية الجديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

رسم الرئيس جو بايدن خريطة المصالح الأمريكية التي يريدها من جولته الشرق أوسطية في مقاله الذي نشره في صحيفة واشنطن بوست، وتبدأ تلك المصالح من إعادة إحياء وتعزيز الشراكة الأمريكية مع دول الشرق الأوسط، ومناقشة ملفات اليمن وسوريا والإرهاب والاتفاق النووي الإيراني، إضافة إلى ضمان سهولة سلاسل الإمداد وأمن الطاقة، لكن السؤال الذي يهم دول وشعوب المنطقة يتعلق بطبيعة الضمانات الجديدة التي يحملها سيد البيت الأبيض في حقيبته، والتي من شأنها أن تعيد الثقة العربية والشرق أوسطية في أن واشنطن لن تشيح بوجهها من جديد عن المنطقة بعد نهاية الحرب الروسية الأوكرانية، فهل واشنطن جاهزة لتقديم هذه الضمانات؟ وما الآليات والأدوات التي تساعد في وضع هذه الضمانات موضع التنفيذ؟

إطار استراتيجي جديد

على الرغم من كل المآسي التي خلّفتها الحرب الروسية الأوكرانية على العالم أجمع فإنها كشفت من جديد الأهمية الاستراتيجية للمنطقة العربية والشرق الأوسط كأحد أهم أقاليم العالم التي يجب أن تكون في صدارة الاهتمامات الأمريكية بجانب أوربا وشرق وجنوب شرق آسيا، وهو ما يتوجب على واشنطن وضع «إطار استراتيجي جديد» لعلاقاتها مع دول المنطقة حتى يكون هناك اطمئنان لدى الدول العربية بأن زيارة جو بايدن هي «بداية لمرحلة جديدة» من العلاقات العربية الأمريكية تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والتفهم الكامل لمخاوف وهواجس واحتياجات كل طرف دون أن يفرض طرف رؤيته الأحادية على الطرف الآخر، وعلى الرغم من تراجع الثقة بشكل كبير في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة فإن تصريحات الرئيس جو بايدن تقول إنه عازم على استعادة هذه الثقة مع دول المنطقة، لكن استرجاع هذه الثقة يحتاج مجموعة من الخطوات، في مقدمتها ضرورة أن يكون هناك التزام كامل وواضح من جانب الولايات المتحدة بأمن واستقرار المنطقة، وأن تكون الخطط والأطروحات التي تقدمها واشنطن لتحقق هذا الاستقرار تتفق مع رغبة وقدرات الدول العربية في هذا التوقيت، كما تنتظر الدول العربية دعماً كاملاً وغير مشروط للحرب التي تخوضها الكثير من العواصم العربية ضد التنظيمات الإرهابية والظلامية، ومساعدة الدول العربية على التصدي للتدخلات الإقليمية والميليشيات المسلحة عبر إرسال رسالة واضحة وقوية للأطراف التي تقف وراء عدم الاستقرار في المنطقة العربية.

الكتلة الخليجية

ومن أهم الملفات التي يمكن أن تؤكد للعالم العربي أن الرئيس جو بايدن قادم بأجندة جديدة ومختلفة هو إعادة النظر في مسارات التعاون الأمريكي مع الدول الخليجية، وذلك من خلال التعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي الست «ككتلة سياسية واقتصادية وأمنية واحدة»، وليس مع كل دولة بشكل منفرد، ومن شأن هذا التغيير في آليات التعاون أن يعزز من القيمة النسبية لكل دول الخليج في تعاطيها مع باقي الكتل السياسية والاقتصادية في العالم، وهذا مطلب خليجي منذ القمة التي جمعت الرئيس باراك أوباما مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في 5 يونيو عام 2015 في كامب ديفيد، ويمكن أن يتحقق هذا من خلال إطلاق الرئيس الأمريكي «الحوار الاستراتيجي» مع دول مجلس التعاون الخليجي الست بشكل جماعي، بما يضمن تعظيم مكاسب الطرفين من هذه العلاقة من ناحية، ومن ناحية أخرى احتواء أي فتور أو توتر في العلاقة يمكن أن يحدث كما حدث خلال الفترات الأخيرة.

المؤكد أن جولة الرئيس جو بايدن في المنطقة تفتح من جديد آفاقاً واسعة للتعاون العربي الأمريكي في الفترة المقبلة، بما يعزز من «المناعة والحصانة» العربية في مواجهة التحديات القائمة والطارئة.

Email