وجهة نظر الزرافة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

سأل غزال زرافة كانت تقف على الضفة الأخرى من النهر: إلى أين يصل عمق ماء النهر؟ فأجابت الزرافة: إلى الركبة. فقفز الغزال إلى النهر، فإذا بالماء يغطي جسده كله. سعى جاهداً أن يخرج رأسه من الماء، بعد جهدٍ مضن! وبمشقة، استطاع أن يقف على صخرة في النهر، وما إن التقط بعض أنفاسه، صرخ في وجه الزرافة قائلاً: ألم تخبريني أن الماء يصل إلى الركبة!؟ قالت: نعم يصل إلى ركبتي! حكم عديدة نستشفها من هذه القصة. فهناك من يلقي بنفسه إلى التهلكة، فور سماعه كلاماً يتناهى إلى أسماعه. فما يقوله الآخرون قد لا ينطبق علينا.

كما أن البعض يعبر عن وجهة نظره من الزاوية التي ينظر إليها. فمن يرى الهرم كبيراً للغاية، هو في الواقع أقرب إليه بكثير من ذلك الذي يراه صغيراً، بحكم بعده عنه. وهناك من يثق في كلام الآخرين، لكنه يتردد ألف مرة قبل أن يعتمد على جهده الذهني وبحثه وتمحيصه. فالإنسان حباه الله بقدرات خارقة، يمكنها أن ترشده إلى الطريق الصحيح، أو الخيارات المناسبة، له لو أنه أعمل عقله قليلاً.


ونلاحظ في هذه الحياة، من يعلق أخطاءه على شماعة الآخرين، حتى لا توجه إليه أصابع النقد. مثل قوله: إن المدير هو من طلب مني ذلك التوقيع على الشيك المصرفي، لكنه ينسى أو يتناسى، أنه كان جديراً به التأكد من حدود صلاحياته المالية والإدارية. ويقبع حالياً آلاف الناس خلف قضبان السجن، لأنهم اعتمدوا على تعليمات مالية شفهية، دفعوا ثمنها غالياً. ولذلك دائماً ما أذكّر المسؤولين الجدد، بطباعة «مصفوفة الصلاحيات المالية والإدارية»، ووضعها في متناول اليد في المكتب. فهناك عقوبات إدارية جسيمة، قد يرتكبها الفرد الذي لم يدرك حدود صلاحياته، كأن يفصل أحداً، أو ينقل آخر، أو يعتمد عقداً ليس ضمن نطاق صلاحياته، فيدخل نفسه في معضلة إدارية كبيرة. وقد رأينا من اضطرت بيئات العمل للتخلي عن العاملين لديها، لأنهم ارتكبوا مخالفات إدارية.


ونعود لقصة الغزالة، التي وجهت سؤالاً واحداً للزرافة، ونسيت أن رحلة استيضاح الأمور، لا تكتفي بسؤال يتيم. فالإلمام بشأن معين، يتطلب باقة من الأسئلة. ولا يكفي السؤال لشخص بعينه، فتجارب الناس متباينة. ولذلك، نقول بالمثل الشعبي: «لا يمدح السوق سوى من ربح فيه». فهناك من يدفعك دفعاً للتجارة، وينسى أن سماكة جلود الناس لا تقوى على الصمود في لهيب «البزنس». وهناك من يحتاج مرحلة انتقالية تدريجية، حتى يقف مشروعه التجاري على قدميه، لكي يتمكن من القفز من سفينة العمل، إلى قارب البزنس (أو النجاة، إن صح التعبير).


خلاصة الأمر، أن السؤال هو من أخطر الأمور التي قد يواجه تداعياتها الفرد. خصوصاً إذا سلم بالإجابة، ولم يحسن اختيار من هو أعلم، أو أحكم، أو لم يُعمِل عقله جيداً لكل ما يتناهى إلى أسماعه من حقائق وآراء.

* كاتب كويتي متخصص في الإدارة

Email