هل تحمل الأزمة الاقتصادية جهة غير التضخيم؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأزمة الاقتصادية، يسمع بها الناس تحوم في العالم ولا يرونها، فيقلقون. والتضخم، المرشح للارتفاع بحسب المحللين، لا يعرف البعض القليل منّا ما هو، وما أسبابه، وإلى أين يأخذه؟ فيحتار. إن أية مسألة لا يعلم الإنسان ولو جانباً من حقيقتها، قد تصبح مصدراً للخوف.

هنالك ثلاثة أساتذة في الاقتصاد، أقرأ لهم وأعود إليهم عند الضرورة: الأول لبناني هو الدكتور كلوفيس مقصود، رحمه الله، والثاني إماراتي هو الدكتور محمد العسّومي، والثالث عراقي - كندي هو الدكتور شاكر عيسى، الذي عمل بالمصرف المركزي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتخرّج على يديه عشرات المصرفيين الإماراتيين. وهذا المدخل كان لا بد منه؛ فالأسبوع الماضي قضيت أياماً أتصفح في المواقع الإلكترونية، بحوثاً ودراسات سياسية واقتصادية لا تزوّد ببعض المعلومات.

إن المواقع الإلكترونية بعضها تابع لجامعات عريقة، وبعضها الآخر لمراكز أبحاث ذات سمعة جيدة، وبعض ثالث غير موثوق لكن موضوعاته مثيرة. والإثارة قد لا تعطيك معلومة سليمة. وهدفت من البحث، الإطلاع على ما يجري ويشهده العالم في الراهن المعاش، من أحداث وقضايا كبيرة تشغل رجل الشارع في كل مكان، محاولاً معرفة مآلات هذه الأحداث والقضايا الكبيرة إلى أين ستنتهي بنا في المستقبل القريب والبعيد؟ وكان ثمة مطلب آخر، هو معرفة إجابة، كاملة أو مجزوءة، عن سؤال: هل الأحداث القائمة على المسرح العالمي حالياً، يمكن أن تتطور وتتسع بحيث يكون لها تأثيرات سلبية ومباشرة علينا في المنطقة العربية وأخرى كأفريقيا وآسيا؟ 

لقد وجدت الكثير مما يمكن قراءته والاستماع إليه وتحليله.

إن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم، ويلّوح بمضاعفاتها ويحذر، تشير المعطيات إلى أنها ليست جديدة، وليدة اليوم، بل هي قديمة، لكن (العملية العسكرية الروسية الخاصة) أو الحرب في أوكرانيا، سرّعت من وتيرتها ومضاعفاتها. لكن ما هي الأزمة الاقتصادية القائمة؟

الأزمة الاقتصادية (وهي جزء من تحولات كبرى مقبلة)، أسهم فيها التضخم، وهو مكون رئيسي من مكوناتها، ويعني (غلاء الأسعار وشحتها وعدم إمكانية سداد ديون العالم)، لذلك، من المتوقع أن يسهم في انهيار البورصات والعملات والمصارف. وإذا ما حدث هذا الانهيار، لا سمح الله، يدخل العالم في ركود اقتصادي وصفوه فيما لو حدث، أنه سيكون الأكبر في تاريخ البشرية. لكن هل هنالك أمثلة على ذلك في الراهن أو في تاريخنا القريب؟

نعم، فأمريكا وأوروبا تواجه تضخماً غير مسبوق، ومعلوم أن التضخم الآمن وفقاً للخبراء الاقتصاديين، لا يتجاوز نسبة ٢ بالمئة سنوياً، وفعلياً بلغ التضخم اليوم في أوروبا حولي ٨ بالمئة، أما في أمريكا فبلغ التضخم ٨ و٦ بالمئة. ووصف بأنه لم يحدث في أسوأ الظروف التي مرت بهذه البلدان.. دول أوروبا وأمريكا.

هل يمكن معالجة التضخم وتفادي تأثيراته الأصعب؟ 

نعم، يقول الاقتصاديون والمحللون السياسيون الاستراتيجيون، ويضعون طريقتان للتخلص من التضخم: الأولى، رفع أسعار الفائدة (التي نسمع بها دائماً منذ سنة تقريباً)، وهذا ما قام به الفيدرالي الأمريكي منذ شهور طويلة لكبح جماح التضخم، لكنه فشل في ذلك حتى الآن، وهنالك من يقول إن الفيدرالي الأمريكي لن ينجح في محاولاته خلال الأشهر المقبلة، بمعنى أن التضخم سيلازم العالم بقية هذا العام.

أما الطريقة الثانية، فهي العودة الاضطرارية إلى ما سمّاه الاقتصاديون (التيسير الكمي) لسداد ديون الشركات في أمريكا والعالم كله. لكن ما هو التيسير الكمي؟ هو (طبع الدولار بكميات ضخمة جداً من أجل توفير السيولة). وهذه العملية إن حدثت بالفعل، وفقاً للمحللين فإنها سترفع معدل التضخم بدلاً من خفضه، ليبلغ أزيد من مئة بالمئة.

وقد يبدو للبعض أن مثل هذا الكلام يقترب أن يكون ضرباً من التشاؤم، فهل من أمثلة أو إرهاصات تعزز مثل هذا السيناريو وأحداثه؟ نعم؛ فالهزات قديمة، وتاريخها القريب واضح؛ فهي أول ما بدأت بانهيار اليونان اقتصادياً، ثم لحقه لبنان الذي نشهد يومياته حالياً، ثم سريلانكا أخيراً، كما أن التضخم في تركيا بلغ ٧٣ بالمئة رغم محاولات كبحه. 

لكن ما الدول المرشحة لمثل هذا المصير؟ هنالك دول بعينها في العالم مرشحة، لكن ما تمكن الإشارة إليه هنا، هو إن أول الدول التي ستواجه الأزمة - إن وقعت لا سمح الله - ستكون الدول العربية تليها دول أفريقيا، ثم دول جنوب أوروبا (الضفة الجنوبية للبحر المتوسط).

يبقى هنالك سؤال هو الأهم فيما ذكر وهو: هل ستبقى واشنطن متفرجة على ما يحدث، أم أن هنالك حلولاً ستستخدمها يمكن من خلالها تجنّب الانهيار الذي يقول الاقتصاديون إنه واقع لا محالة؟ الجواب.. لا، لن تقف واشنطن متفرجة، بل في جعبتها حلان أحلاهما مر. 

Email