ماكرون ليس في مأزق

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ إعلان نتائج المرحلة الثانية لانتخابات الجمعية الوطنية الفرنسية التي تتشكل من 577 نائباً، منهم 566 نائباً في الداخل الفرنسي و11 مقعداً يمثلون مناطق ما وراء البحار، لم تتوقف الأصوات التي تتحدث عن فشل الرئيس إيمانويل ماكرون في تلك الانتخابات.

ويتحدثون عن مأزق في فرنسا، واحتمالات نهاية الجمهورية الخامسة، وأن اليمين الذي حصل على 89 مقعداً لأول مرة بعد أن كان له 8 مقاعد فقط في انتخابات 2017 بات يسيطر على فرنسا، وأن تلك النتائج التي وصفوها بـ «الكارثية» سوف تنتقل إلى باقي الدول الأوروبية، خصوصاً تلك التي سوف تنظم انتخابات برلمانية قريبة مثل إيطاليا وهولندا، فهل هذه التوصيفات صحيحة أم أن هناك قراءة إيجابية مغايرة إزاء هذه الانتخابات؟

تاريخ فرنسا مع الجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال شارل ديغول منذ 4 أكتوبر 1958 يقول إن رئيس الدولة يجسد «روح فرنسا» التي يكون فيه منصب الرئيس بلا منافس، والقراءة المتأنية لنتائج الانتخابات الفرنسية تقول بوضوح إن ماكرون ليس في مأزق، وإنه في وضع أفضل بكثير من الرئيسين الأسبقين فرانسوا ميتران وجاك شيراك.

فقد اضطر ميتران زعيم الاشتراكيين أن يتعايش مع حكومتين من لون سياسي مختلف، الأولى بقيادة «التجمع من أجل الجمهورية» (الديغوليين) بزعامة شيراك كرئيس للوزراء بين 1986 و1988، ثم تعايش ميتران مرة ثانية مع «الديغوليين» بزعامة إدوارد بالادور بين عامي 1993 و1995. أما حكومة التعايش والتساكن الثالثة في تاريخ الجمهورية الخامسة فكانت عندما تولى شيراك الرئاسة واضطرته نتائج الانتخابات البرلمانية للتعايش مع حكومة ليونيل جوسبان في الفترة من عام 1997 وحتى 2002.

هذا الوضع بعيد جداً عن ماكرون الذي فاز بأغلبية واضحة في انتخابات الرئاسة التي جرت منذ شهرين، كما أن تحالفه البرلماني «معاً» فاز بالكتلة الأكبر في البرلمان، وبالأغلبية لكن «ليست المطلقة» بعدد مقاعد وصل لـ245 مقعداً، وبفارق هائل يصل لنحو 100 مقعد عن أقرب منافسيه «الكتلة اليسارية» بقيادة جون لوك ميلانشون التي فازت بـ146 مقعداً فقط.

ولهذا سوف تستمر اليزابيث بورن التي تنتمي لتحالف «معاً» على رأس الحكومة الجديدة. ويمكن لماكرون الذي يحتاج لنحو 44 مقعداً ليصل للأغلبية المطلقة بـ289 مقعداً أن يتحالف مع الجمهوريين الذين ليس أمامهم خيار آخر، لأنهم الكتلة الأضعف في البرلمان منذ أيام الرئيس الأسبق نيكولاي ساكوزي، والتي حصلت على 64 مقعداً، كما يوجد 13 مقعداً في اليسار خارج كتلة ميلانشون، و8 مقاعد في اليمين بعيداً عن اليمين المتطرف، ويمكن لهؤلاء أن يصوتوا مع برنامج ماكرون.

توازن

أما فوز حزب الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبين بنحو 89 مقعداً فلا يمكن أن يقلق ماكرون، لأن لوبين خففت من لهجتها اليمينية، وكان هذا أحد الأسباب الرئيسية في وصولها للجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية، ثم الحصول على هذا العدد من المقاعد لأول مرة في تاريخ حزبها، ويوازنها بالقوة نفسها وربما أكثر كتلة «ميلنشو» اليسارية التي صوتت ضد لوبين في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

فعلى سبيل المثال عندما تطرح لوبين قضية المهاجرين يتصدى لها اليسار قبل كتلة ماكرون، كما أن رفض اليسار واليمين المتطرف التعاون حالياً مع ماكرون يرتبط فقط مع لحظة النصر «العاطفية»، لكن اليسار واليمين يعتقدان أنهما حققا نتائج تاريخية، ولهذا سوف يلتقيان في منتصف الطريق مع ماكرون حتى لا يتم حل البرلمان وخسارة تلك النتائج، وكلها عوامل تؤكد أن ماكرون ليس في أي مأزق.

 

Email