حكايات أهل الفن

حسن كامي.. أكثر من مجرد ممثل

ت + ت - الحجم الطبيعي

حكاية الفنان الراحل حس كامي الذي ودّع الدنيا في ديسمبر 2018 عن عمر ناهز 82 عاماً، جديرة بأن تروى لأسباب كثيرة.

فهو لم يكن مجرد ممثل كغيره استهواه الفن فدخل عالم التمثيل وقدم لجمهور السينما والدراما مجموعة من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، متخصصاً في أدوار الرجل الأرستقراطي، إنما كان علاوة على ذلك موسيقياً عالمياً وصاحب صوت أوبرالي قوي صدح به على أبرز المسارح العالمية.

يشهد على ذلك قيامه بدور البطولة في أوبرا «عايدة» على المسارح الروسية عام 1974، ومشاركته في بطولة ما لا يقل عن 270 عرضاً أوبرالياً في إيطاليا وفرنسا وبولندا والدنمارك والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. وبسبب شهرته الأوبرالية هذه أوكلت إليه الدولة إدارة الأوبرا المصرية.

تقول سيرته الذاتية المنشورة، إنه ولد في القاهرة في نوفمبر 1936 لعائلة ترجع أصولها إلى أسرة محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، وأنه ورث عن أسرته ثروة كبيرة صادرتها الدولة في حملة التأميمات الاشتراكية عام 1961.

تعليقاً على هذه الواقعة التي كانت أول انتكاسة يتعرض لها في حياته قال في لقاء أجري معه: «الدرس الذي تعلمته من مصادرة أموال الأسرة وقت ثورة يوليو هو أن هذه الأمور قسمة ونصيب، وأن العلم الذي تعلمته في المدرسة والجامعة والحياة لا يمكن لأي شخص أن يأخذه مني، ولكن الفلوس تأتي وتذهب، وهي في مرتبة ثانية بعد العلم».

وهكذا اضطر للعمل في دار الأوبرا المصرية كمغنٍ ابتداءً من عام 1963. ولكي يتغلب على أعباء الحياة الكثيرة عمل في الوقت نفسه موظفاً للحجوزات في إحدى الشركات السياحية، وهي الوظيفة التي انطلق منها ليصبح لاحقاً مديراً وممثلاً للخطوط الجوية التونسية في مصر، ثم وكيلاً عاماً للخطوط الجوية الأمريكية والخطوط التايلاندية والقبرصية والاسكندنافية.

أما عن دراسته فقد درس أولاً بمدارس الجيزويت، ثم التحق بجامعة القاهرة فحصل منها على بكالوريوس الحقوق، وبسبب حبه للموسيقى درس في معهد الكونسرفتوار ثم واصل دراسته الموسيقية العليا في إيطاليا.

حفلت حياته بالصدمات، فحينما تعرف في سن 29 على فتاة في نادي الجزيرة وأحبها وأراد الزواج منها قوبل طلبه بالرفض من قبل والدها الصعيدي، بل إن والدها، وكان ضابطاً برتبة لواء في الجيش، نغص عليه حياته بالتهديد والوعيد، بعد أن أصر على الزواج من حبيبته.

وفي عام 2011 بلغه وهو خارج مصر خبر وفاة ابنه الوحيد «شريف» في سن الثامنة عشرة في حادثة سير، ليعيش حالة حزن عميقة. وقتها صرح بأن خسارته لابنه حولته إلى ما يشبه سيارة سكند هاند لا تقوى على العمل. وما كاد أن يتغلب على مصابه هذا، حتى توفيت زوجته ورفيقة عمره «نجوى» في العام التالي، ما زاده حزناً فوق حزن.

مع أحزانه قرر كامي عام 2011 أن يعتزل الغناء الأوبرالي، خصوصاً وأنه كان قد تعرض لفقدان صوته لمدة عامل على إثر قيامه بتقديم غناء أوبرالي بصورة غير مسبوقة في مدينة ميلانو. وبعد اعتزاله تفرغ الرجل لإدارة مكتبة تبيع الكتب القديمة، ولم تكن هذه المكتبة سوى مكتبة «المستشرق» بميدان طلعت حرب التي كان قد أنشأها المصري فيلدمان نهاية القرن 19.

إن ما دفعنا إلى التذكير بحكاية هذا الفنان المبدع هو أنه تميز عن بقية زملائه الفنانين. فعلى حين لا يكترث الكثيرون من أهل الفن إلا بالشهرة والأضواء وجمع المال وحصد الجوائز، فإن حسن كامي وجه اهتمامه وجهده نحو جمع الكتب التاريخية والمخطوطات والوثائق النفيسة، حتى تكونت لديه مكتبة خاصة ضمت عشرات الآلاف من الكتب النادرة.

وهذه المكتبة دار حولها نزاع طويل بين ورثة كامي من جهة ومحامٍ مصري زعم شراءها مع فيلا الفنان الراحل قبل وفاة الأخير بمبلغ 120 مليون جنيه. ودخلت وزارة الثقافة المصرية طرفاً في النزاع أيضاً باعتبارها الجهة المسؤولة عن حفظ المقتنيات الفنية والتراثية.

 

Email