رمز المجد والشهامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شيء أثقل على الكاهل من وراثة الأمجاد والحفاظ عليها، وحين يكون الإنسان عريق النسب ضارب الجذور في الشهامة والمجد فإن مسؤولياته تكون مضاعفة.

فهو مطالب بحماية هذا الإرث المعنوي الكبير، ولسادات آل مكتوم قصة عريقة مع المجد والفروسية، ومنذ طلع نجمهم وهم يتوارثون هذا المجد كابراً عن كابر، ويؤديه السابق للاحق، ويسطرونه شعراً ونثراً وإنجازاً يليق بسيرتهم الفواحة بالعطر والسؤدد، ومن يطالع ما كتبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في كتابه البديع ( قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً) عن سيرة آبائه وأجداده لا سيما جده القريب الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم، طيب الله ثراه، سيرى عمق الجذور في الفضائل.

والحرص الصادق على صيانة هذه الأمجاد والمناقب الأخلاقية والمعنوية، التي هي سر البقاء والخلود، فكيف إذا انتقلنا مع صاحب السمو للحديث عن والده طيب الذكرى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، الذي رسم له صاحب السمو صورة خالدة في وجدان الشعب، وغرس محبته فوق المحبة الصافية، التي فاز بها الشيخ راشد من قلوب أبناء شعبه الوفي.

فإذا كان ذلك كذلك لم يكن مستغرباً أبداً أن يسير سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، على خُطى الآباء والأجداد في ترسيخ مناقب هؤلاء الفرسان، الذين فازوا بأروع المناقب والشمائل والأخلاق، مواصلاً بذلك مسيرة لا تنقضي من البر بالآباء، وتخليد ذكراهم الطيبة في القلوب والأرواح.

في هذا السياق الأخلاقي النبيل نشر سمو الشيخ حمدان مقطعاً قصيراً على حسابه في «إنستغرام»، يلخص فيه أعمق الأواصر، التي تجمعه بوالده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حيث يقول: «الأبُ هو ذاك الذي تطلب منه نجمتين فيعود حاملاً لك السماء» ملخصاً بهذه العبارة المكثفة البليغة الدور الأبوي العظيم لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في تربية أبنائه، وتعميق إحساسهم بثراء وجوده في حياتهم، وسمو الشيخ حمدان حين يكتب هذا الكلام فهو يشير به إلى بواكير الحياة، حين كان يطلب من أبيه الجليل كل شيء حتى لو كان مستحيلاً.

لكن الوالد صاحب الهمة العالية لا يرضى لهم بتحقيق المطلوب فقط، بل يأتيهم بما لا يقع في الحسبان، تعبيراً عن محبته لهم في المقام الأول، وتعويداً لهم على التضحية من أجل الولد لكي ينشأ نشأة الفرسان، فالوالد المعطاء يدرب أبناءه على خلق العطاء، من خلال السلوك وليس من خلال الكلام فقط، فكيف إذا كان العطاء غامراً، والتعليم فوق المطلوب.

وترسيخاً لهذه المنزلة العظيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في قلب ولده وولي عهده سمو الشيخ حمدان، ألقى سمو الشيخ حمدان مقطعاً شعرياً عذباً بصوته الجميل يمدح فيه والده، وهو جزء من قصيدة طويلة عنوانها (عاتق المجد) كان قد نشرها سمو الشيخ حمدان في وقت سابق، تعبيراً عن رسوخ المحبة والتوقير والبر والوفاء لهذا الوالد الفارس، الذي يستحق كل هذا وأكثر:

يا بوي رمز المجد والعز والدين

والمرجله والمقدره والشهامه

اللي طغى ذكرك في كل الميادين

زعيم كنك منخلق للزعامه

بهذا اللفظ الأنيس القريب (يا بوي) يتودد سمو الشيخ حمدان إلى والده الجليل ويخاطبه بكل هذا الحنان الممزوج بالفخر، ويؤكد له أن شخصيته منذورة للأمور الكبيرة، وأنه رمز من رموز حضارة هذه الأمة في مجدها وعزها ودينها، وأنه سيد الفرسان في المرجلة وزعامة الرجال، والقدرة على تحمل المسؤوليات والأعباء.

فضلاً عما جُبل عليه صاحب السمو من شهامة القلب ونبله، الذي ورثه عن آبائه الكرام، وغرسته في وجدانه والدة عظيمة الشأن نادرة الأخلاق الشيخة لطيفة بنت حمدان، طيب الله ثراها، فهو سليل هذا البيت الذي لا يعرف إلا الطيب والشهامة والكرم والإحسان، فكان ذلك سبباً في شيوع ذكر صاحب السمو في الخافقين، وسطوع نجمه في سماء المجد، حتى دلت أحواله وأفعاله على أنه لم يخلق إلا للمجد والزعامة.

لو قلت كفك غيث كل المساكين

إخضرّ غصن وغرّدت لي حمامه

وسمعت أصوات العرب بالملايين

تقول عز الله صدق في كلامه

ومَنْ مثل سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إغاثةً للملهوف، وحدباً على الفقراء والمساكين، فمبادراته السنوية المباركة لا سيما في شهر رمضان شهر الخير والرحمة هي الأكبر على مستوى العالم، فهو بحمد الله كالغيث يُغيث الله به البلاد والعباد، وحين يتكلم عن مآسي الفقر والجوع تلمس نبرة الأسى في كلامه والرحمة والشفقة على هذه الأكباد الذاوية الجائعة، فإذا افتخر سمو الشيخ حمدان بهذا الصنيع النبيل لوالده فهو محق في ذلك، وسوف يستجيب لهذا الفخر كل شيء في هذه الطبيعة من شجر أو طير، فالمحسن يصل إحسانه إلى جميع مخلوقات الله.

ومن كان هذا دأبه وصنيعه في الحياة: بذلا وإيثاراً، رفع الله ذكره في العالمين، وجعل الألسنة تلهج بالثناء عليه والدعاء له، وهوما فاز به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من قلوب ملايين العرب والمسلمين ممن يعرفون حجم ما يبذله هذا السخي الكريم، فهو الذي لا تتخلف له قافلة، ولا يخيب له مسعى، ولذلك كان الجواب على فخر سمو الشيخ حمدان بوالده الكبير المقام: صَدَقَ في كلامه، وما نطقَ إلا بالحقيقة.

قبل حوالي ثلاث سنوات، وحين فاز الحصان العظيم «ثندر سنو» بسباق دبي في 1/4/ 2019م كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد قصيدة مهيبة جليلة في الثناء على نجله وولي عهده سمو الشيخ حمدان، وأنه موضع ثقته، ثم ختم تلك المشاعر الأبوية الصادقة بقوله:

به فرح حمدان وأنا أنظر جَداه

ونظرة الوالد تراها ما تخيب

سيدي صاحب السمو: يفخر بك الوطن كل الوطن، فنحن مَنْ تربَينا في عهدك وعِزك، وألسنتنا معترفة بالتقصير في حقك، كيف وأنت وجدان الوطن وفارسه وشاعره وناشر ثقافة الحب والخير والسلام في ربوعه.... على وجهك الطيب التحية والسلام.

 

Email