الازدواجية.. مرض قد لا يكون طارئاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يخرج علينا حتى اليوم، متخصص بعلم النفس ليعلمنا، هل الازدواجية، كسلوك غير سوي بالتأكيد، هي عارض طارئ، عندما تزور الإنسان لا تستوطن فيه، بل تغادره بعد فترة طالت أو قصرت؟ أم إنها خلافاً لذلك، الازدواجية مرض ما أن يضرب إنساناً حتى يعشش فيه، شأن الأوبئة عندما تحل ببقعة بشرية، لا تغادرها إلاّ بما يشبه المعجزة؟

والازدواجية، لو أنها اقتصرت على الفرد، لهان أمرها وكان بسيطاً، لكنها عندما تتعدى الفرد لتصبح سياسة عامة مشرّع لها، في دول هذه القارة أو تلك، عندها يكون الأمر كارثياً.

لست محيلاً في هذا السياق، إلى الكتب الأدبية الأجنبية، الروايات والقصص والمسرحيات، لأثبت الازدواجية لدى الغرب تجاه الآخرين، بالنص والصفحة والتاريخ، فلسنا هنا في مقام بحث أو ندوة أو دراسة، لكن لا بأس من القول إنني يوماً ما كنت معجباً بالكاتب المسرحي والشاعر العالمي وليم شكسبير، فقرأت كل مسرحياته، والكثير من قصائده المسماة (سوناتا)، لأصل إلى أنه في الوقت الذي كان فيه شكسبير يمجد الحرية، ويدعو شعوب العالم إلى نيلها، والنضال من أجلها بشتى الطرق والوسائل، كانت الإمبراطورية البريطانية التي ينتمي إليها، تحتل أجزاء من الكرة الأرضية لا تغيب عنها الشمس. فأي تناقض هذا بين القول والفعل؟ وأية ازدواجية؟

ومن ذلك اليوم المشهود، لم أعد أنظر إلى شكسبير مبدعاً، يحمل للبشرية رسالة سامية تدعو إلى حرية الإنسان وكرامته. ومثل شكسبير هنالك المزيد؛ فعلى سبيل المثال في الكثير من الكتب الفكرية والأدبية الأجنبية، تجد تعالياً لافتاً على الشعوب الأخرى من بينها العربية والأفريقية والآسيوية، فعندما يقتضي سياق الموضوع، ذكر شعبٍ من تلك الشعوب، فإنهم يمارسون عليه نوعاً من (المَعلَمَة) أو الأستذة، وعظاً وإرشاداً وتوجيهاً، وحتى توبيخاً أحياناً. إن النظرة الدونية إلى الآخرين ما كانت لتفارق أوروبا، تفضحهم في ذلك كتبهم ومؤلفاتهم التي كتبوها ووزعوها، لتصبح وثائق تدينهم.

أقرأني أحد الدكاترة الأكاديميين الخليجيين، ما دوّنه في مذكرته الشخصية، بينما كان يحضر، منذ أسابيع قليلة، مؤتمراً مهماً في بروكسل، بدعوة من المجلس الأوروبي، لمناقشة مسوّدة اتفاقية بين الاتحاد ودول الخليج العربية، قبل التصويت عليها. فبعد أن ذكر أن الاتفاقية مهمّة في كثير من مجالاتها، كتب يقول: لكن من يقرأها - الاتفاقية - يجد أن الأوروبيين ينظرون إلى الخليج نظرة الأستاذ لتلميذه، وأن أوروبا ليست محلاً للنقد، بل معياراً للصواب، لذلك تجد الاتفاقية في صفحاتها الـ17 تتحدث عن واجبات الخليج في الإصلاح، بينما لا توجد كلمة واحدة في الاتفاقية تتحدث عن واجبات أوروبا في إصلاح ذاتها، رغم كل أزمات أوروبا الاجتماعية والحقوقية والأيديولوجية، وهذا ينم عن منطق الأستاذية الذي تتقمصه أوروبا دائماً، من دون تواضع للثقافات الأخرى.

وهذه هي النظرة المستوطنة لدى أوروبا، التي لا تريد أن تنظر إلى نفسها، أقلهُ من باب المراجعة وإعادة النظر، وطرح سؤال من هو المتقدم على الآخر اليوم، أوروبا أم دول الخليج العربي؟ من اقتصاده أكثر ازدهاراً، أوروبا أم دول الخليج؟ وأي المجتمعات أكثر تماسكاً وتكاتفاً في علاقاته الاجتماعية والإنسانية، أوروبا أم دول الخليج؟ لا شك إنه موضوع مهم، ويحتاج إلى مزيد من الدرس والتعمّق، ومعرفة مزيد من الحقائق.

Email