حينما ضرب فيروس كورونا العالم في بدايات عام 2020، كان معظمنا يقول إنه حينما ينتهي الفيروس، فسوف يعيد النظر في كل حياته، وسوف يدرك النعم الكثيرة التي أنعم، الله تعالى، بها علينا، ولم نكن نشعر بها إلا حينما فقدناها مع ظهور الفيروس وتوحشه.

الآن وقد تراجع خطر كورونا إلى حد كبير، فهل غير بعضاً من سلوكياتنا السيئة، أم أن الإنسان بطبعه يميل إلى النسيان؟!

اليوم، ومع تراجع الإصابات والوفيات في معظم أنحاء العالم إلى حد ما، فهل نتعظ وندرك حقيقة النعم الكثيرة التي نملكها، أم نستمر في الجحود وكأن شيئاً لم يكن؟!!.

قبل ظهور جائحة كورونا في ووهان الصينية، كانت الحياة تسير بصورة معقولة، وحينما فاجأتنا الجائحة، قلبت حياتنا رأساً على عقب.

اكتشفنا بعد الجائحة أننا لا نستطيع أن نحضن أو نقبل أولادنا وأبناءنا وزوجاتنا وأصدقاءنا، لأن هذا الحضن أو تلك القبلة قد تكون «الطريق إلى جهنم المفروش بالنوايا الطيبة»، وبالطبع وإذا كانت القبلة ممنوعة، فإن الأحضان بين الأهل والأحباب والأصدقاء صارت محرمة تماماً، بل إن السلام باليد صار مهجوراً، وإذا عطس أحد في المكان نظر إليه الجميع نظرة سخط واشمئزاز، وكأن الإنسان محرم عليه أن يعطس، أو حتى يصاب بالإنفلونزا العادية!

الأجداد صار ممنوعاً عليهم مقابلة أحفادهم خوفاً من نقل العدوى إليهم، خصوصاً إذا كانوا يعانون من أمراض مزمنة.

الحياة صارت مشلولة، الطيران توقف، وحتى التنقل بين المدن داخل البلد الواحد صار مقيداً، والاقتصاد أصيب بالشلل، وكثيرون فقدوا وظائفهم، وحتى المدارس أغلقت أبوابها، وصار التلاميذ عبئاً على أسرهم، خصوصاً في البيوت الضيقة.

الحمد لله الفيروس تراجع بنسبة كبيرة، والحياة بدأت تعود إلى طبيعتها. والاقتصاد صار يعمل بدرجة شبه كاملة باستثناء تعثر هنا أو هناك، إضافة إلى تعطل أصاب حركة سلاسل الإمدادات، مما أثر على أسعار العديد من السلع والخدمات.

ثم جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتعمق من تداعيات «كوفيد 19»، ورغم ذلك فإن الفكرة التي بدأنا بها تظل صحيحة وهي في صيغة سؤال يقول: هل بدأ الكثيرون يدركون النعم الكثيرة التي منحنا إياها الله سبحانه وتعالى، وصاروا يملكونها بعد تراجع خطورة كورونا؟

هل أدركنا أهمية أن نتحرك من أي مكان أو نركب أي وسيلة مواصلات من دون أن يتم إجبارنا على حمل ورقة تفيد أننا أجرينا العديد من المسحات في اليوم الواحد أحياناً؟!

هل جرب أحدكم أن يسافر من دولة لأخرى من أجل إنجاز أعمال مهمة، ثم يصدم بأن العينة صارت إيجابية، فيتم حجزه في الفندق لأيام قد تزيد على العشرة لا يسمح له أن يرى أحداً، وحتى عامل الفندق يقدم له الطعام من وراء حجاب؟!

أعرف صديقاً أجرى 5 مسحات لكورونا في يوم واحد لدرجة أنه شعر بأن أنفه مهدد بـ«الانخرام»!. وفي دول كثيرة توقفت الحياة تماماً، وصار الناس غير قادرين على مغادرة منازلهم حرفياً، كما حدث في إيطاليا في بداية انتشار كورونا خصوصاً ميلانو.

الفكرة العامة من السطور السابقة هي أننا ينبغي أن نتذكر النعم الكثيرة التي نملكها، خصوصاً بعد الانحسار النسبي لفيروس كورونا.

ما ينبغي لنا أن نتذكره دائماً هو نعمة الصحة التي لا تدانيها نعمة.

 

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية