تبريد الصراعات... ضرورة آسيوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعيش منطقة المحيطين الهندي والهادئ حالة من التوتر والانقسامات والاصطفافات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهو ما يهدد ليس فقط بتراجع معدلات النمو والازدهار الاقتصادي في تلك المنطقة التي كانت وما زالت تبهر العالم بوفرة الإنتاج وسلاسل الإمداد، بل يهدد باندلاع حروب سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء «قمة الكواد» الرباعية الأخيرة في طوكيو عن استعداد بلاده «للدفاع عسكرياً» عن تايوان، ورد وزير الدفاع الصيني خلال قمة شانغريلا في سنغافورة بأن الجيش الشعبي الصيني سيدافع «حتى النهاية» و«سيمزق» أي طرف يسعى للتدخل في النزاع الداخلي بين الصين وتايوان، فكيف يمكن «تبريد الصراعات» بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب، والصين وداعميها من جانب آخر؟

الاعتماد المتبادل

تحليل حجم المصالح والمنافع المشتركة بين بكين والغرب يقول إن التعاون والتشارك يجب أن يكون هو «العنوان الرئيسي» للعلاقات بين الطرفين، وليس الصراع أو حتى التنافس كما تسميه الإدارة الأمريكية الحالية، ففي عام 2021 بلغ حجم التجارة البينية بين الولايات المتحدة والصين نحو 750 مليار دولار، كما أن حجم التجارة بين الصين ودول الاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي بلغ 850 مليار دولار، ولهذا نحن أمام نحو 1.5 تريليون دولار من التجارة بين الصين من جانب والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جانب آخر، وهو ما يخلق ملايين الوظائف لدى الطرفين، ولو أضفنا التعاون الاقتصادي بين الصين وحلفاء واشنطن الآخرين مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والمملكة المتحدة يكون من الغريب نشوب صراع بين هذه الأطراف وسط كل هذه المصالح التي يجنيها الجميع، فالصين هي أكبر سوق للصادرات الكورية الجنوبية، حيث تستورد نحو 25% من الصادرات الكورية أو ما يمثل 8.3% من الناتج المحلي الإجمالي الكوري، وهي نسبة تساوي إجمالي ما تصدره كوريا الجنوبية لحلفائها في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معاً، كذلك الأمر بالنسبة لليابان التي يبلغ حجم تجارتها مع الصين نحو 330 مليار دولار سنوياً، كما أن الصين هي ثاني أكبر مستورد للصادرات اليابانية بنحو 20% من إجمالي صادرات اليابان، لكن ربما أكثر ما يلفت الاهتمام إلى ضرورة تدعيم وتوطيد العلاقات الصينية الأمريكية أن وزارة التجارة الأمريكية كشفت هذا الأسبوع أن واشنطن سوف توقف العمل بالرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب على الكثير من الواردات الصينية، وهدف إدارة بايدن من هذه الخطوة هو تخفيض نسب التضخم في الاقتصاد الأمريكي، وهو دليل جديد على المصالح المشتركة بين البلدين والشعبين.

قضايا افتراضية

اللافت أيضاً أن جميع الخلافات بين الصين من جانب، والتحالفات الأمريكية مثل «الأوكوس» و«الكواد»، و«الكواد بلس» و«العيون الخمس»، هي «خلافات افتراضية» تقوم على افتراض الولايات المتحدة أن الصين سوف «تستعيد تايوان بالقوة»، وهذا أمر لم تصرح أو حتى تلمح به بكين، ولهذا حديث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن «الدفاع عسكرياً» عن تايوان إذا حاولت الصين استعادتها بالقوة فقط في إطار «الافتراض» وليس الواقع، كما أن حديث وزير الدفاع الصيني وي فنغ بأن قضية تايوان «داخلية» هو أمر تسلم به الولايات المتحدة منذ عام 1979 عندما اعترف الرئيس الأسبق جيمي كارتر بسياسة «الصين واحدة»، أي الاعتراف بأن تايوان جزء من الأراضي الصينية، وهو أمر كرره أكثر من مسؤول أمريكي حالي في مقدمتهم الرئيس جو بايدن في محادثاته مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.

المؤكد أن تبريد الصراعات والبحث عن القيم والمصالح المشترك سوف يصب في صالح الجميع، ولعل دروس الحرب الروسية الأوكرانية هي خير دليل على المآسي والمعاناة التي تتركها الحروب.

Email