الفتنة أشد من الإرهاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

فنّد الاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان له صدر السبت، ما تناقلته قناة الجزيرة على لسان أحد ضيوفها من أن «الجيش أبلغ الاتحاد رفضه طلب رئيس الجمهورية غلق مقرات الاتحاد»، وجاء في البيان أن هذا الخبر «كاذب وزائف، ويدفع إلى الفتنة»، منبّهاً التونسيات والتونسيين إلى «تواتر الأخبار الزائفة هذه الأيام، وبعضها يتحدث عوضاً عن الاتحاد وهياكله لغاية الإثارة وبثّ البلبلة …».

ودعا البيان إلى عدم تصديق هذه الأكاذيب والإشاعات ورفض ترويجها في هذا الظرف الدقيق والخطير الذي تمرّ به تونس.

ومن المعلوم أنّ مثل هذه الشائعات أصبحت دارجة في صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي التي تدين بالولاء لحركة النهضة الإخوانية، وهي صفحات ومواقع تشرف عليها شخصيات مقرّبة من رئيسها راشد الغنّوشي.

ومعلوم كذلك أنّ الهدف من وراء هذه الشائعات والأكاذيب هو من جهة لخلق مناخ عام يشجّع الفتنة وضرب الاستقرار الأمني، ومن ناحية أخرى خلق حالة توتّر بين الاتحاد العام التونسي للشّغل ورئيس الجمهورية قيس سعيّد.

وتسعى حركة النهضة الإخوانية إلى الإيهام بأنّ اتحاد العمّال في حالة صدام دائم مع الرئيس التونسي، وهو لذلك حليف موضوعي لها، وهو الأمر الذي ينفيه الاتحاد العام التونسي للشّغل مراراً وتكراراً من خلال تأكيده المستمرّ على دعم مسار الإصلاحات التي كان منطلقها حركة 25 يونيو 2021، غير أنّه يطلب باستمرار ضرورة تشريك قوى المجتمع المدني والسياسي الوطنية في نحت مسار الإصلاح بدءاً بكتابة الدستور وكذلك القانون الانتخابي.

وقد شدّد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشّغل نور الدين الطبّوبي على نفس هذه المعاني في خطاب له أوّل أمس، موجّهاً أصابع الاتهام لجهات سياسية معلومة «لا تريد الخير والاستقرار والنماء لتونس».

وحاول الاتحاد دوماً رسم مسافة تباين كافية عن حركة النهضة الإخوانية التي لا هدف لها سوى السعي المحموم لاسترجاع الحُكْمِ، ولكنّه في المقابل حافظ أوّلاً، على تمايزه مع توجّهات الرئيس التونسي قيس سعيّد للانفراد بالقرار وثانياً، رفضه لسياسات الحكومة التي تقودها نجلاء بودن، والتي يراها منسجمة أكثر مع مطالب صندوق النقد الدولي والجهات المانحة.

هو إذاً رفض مبدئي من قِبَلِ الاتحاد لأيّ حديث عن العودة إلى ما قبل 25 يونيو 2021، وهو كذلك رفض لسياسات الحكومة التي لا تأخذ في الاعتبار مصالح الوطن والمواطن، وهذا الموقف قاد اتحاد العمّال إلى إعلان إضراب عام في القطاع العام يوم 16 من الشهر الجاري نتيجة وصول المفاوضات مع الحكومة إلى طريق مسدود.

وإنّ أخطر المناورات التي تحيكها «النهضة الإخوانية» هي محاولة زرع أسفين بين الرئيس قيس سعيّد والاتحاد العام التونسي للشّغل، إلّا أنّ المتتبّع للشّأن السياسي والنقابي في تونس يعاين بوضوح فشل الحركة الإخوانية في مسعاها نتيجة ثبات الاتحاد على موقفه المساند للحركة التصحيحية لـ25 يونيو من جهة وتمسّكه بعدم إعطاء ضوء أخضر لا مشروط للرئيس.

إنّ الاتحاد العام التونسي للشّغل في موقف حسّاس ودقيق، ولكنّه من الضروري التأكيد على أنّه حافظ مع ذلك على توازن المواقف دون السقوط في منحدر التحالف مع النهضة الإخوانية، أو أن يكون من توابع الحكومة ورئيس الجمهورية، والاتحاد لذلك مطالب بمواصلة دوره الوطني رغم ما اعترضه ويعترضه من شائعات جماعات الإخوان الخبيثة، وكذلك من بعض الصفحات الموالية للرئيس قيس سعيّد التي يرفض أصحابها أيّ انتقاد لسياسات الرئيس مهما كانت درجتها.

وإنّ زرع الفتنة وجرّ البلاد والعباد إلى مربّع العنف والإرهاب لا يخدم سوى الحركات الإخوانية المنطوقة والإرهابية.. والفتنة تمهّد لهذا وهي «أشدّ من القتل» ومن الإرهاب.

 

 

Email