بوتين وضمان التأييد المستمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد مضي 100 يوم على اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، بدأت تخمينات المراقبين حول مدى وطول هذه الحرب وأنها لم تعد أزمة مؤقتة بل أمدها سيطول وأن تأثيراتها ستمتد لفترة زمنية، وبالتالي فعلى الخصوم الاستعداد لإدارة الأزمة بنفس الطاقة والحماس الذي بدأوا فيه.

من حيث ميزان القوى هنالك من هو مقتنع بأن لدى روسيا الإمكانيات والخطط الاستراتيجية التي تخولها لربح الحرب على المدى البعيد، إن لم يكن عسكرياً، فعلى الأقل سياسياً نظراً لحجم التأثير الروسي، إلا أن الذي يخشاه البعض، وهم كثر، هو فقدان الرئيس فلاديمير بوتين، لاستراتيجية العلاقات العامة في العالم بالطريقة التي من شأنها أن تحافظ لروسيا التأييد الذي تحتاجه على المدى الطويل للحرب.

بدون مبالغة، ستؤثر سلباً مسألة إطالة أمد الحرب، وربما هذا ما تفعله أوكرانيا بمساعدة الغرب، على التأييد السياسي والعاطفي للرأي العام للموقف الروسي، خاصة وأن بعض المؤيدين للجانب الروسي يستتبع كلامه ببعض العبارات التي تبين أن تأييده «خجول» أو أنه ليس كاملاً، بمعنى آخر يحمل الرفض غير المباشر أو أنه مستعد للتراجع في أقرب فرصة.

بالإمكان أن تربح روسيا هذه الحرب، لكن في حالة إذا استطاعت ألا تضر الإنسانية العالمية بقطع سلاسل إمداد الغذاء وارتفاع أسعاره، أو عرقلة تدفق الطاقة وارتفاع أسعارها، لأن هذا يمس الحياة اليومية للإنسان. فبهذه الطريقة ستضمن روسيا استمرارية موقف حلفائها السياسيين وحتى الرأي العام الذي يطالب بعدم النظر إلى النتيجة التي وصلت إليها العلاقات الروسية-الأوكرانية، وإنما الموضوعية تتطلب البحث عن أسباب هذه النتيجة.

أما إذا اتضح أن هذه الحرب تسببت في إيذاء الرأي العام، أعتقد أنه حتى الحلفاء سيختفون، وما علينا كمراقبين سوى متابعة التصريحات حول عواقب انقطاع الغذاء والطاقة في العالم لنعرف النتيجة، فهذا هو حديث الساعة في كل وسائل الإعلام العالمية.

النجاح الوحيد في إقناع كل الدول في العالم بأن الغرب والولايات المتحدة هما من يقف وراء هذه الحرب وليس أوكرانيا، متوقف على قدرة الدبلوماسية الروسية دولياً، وعلى نشاط وزير خارجيتها وآلتها الإعلامية من خلال الاستمرارية ليس في الحفاظ على الزخم السياسي، إنما بذل مجهود في كسب مؤيدين ومتعاطفين جدد مع موقفها.

لا يكفي أن ترتكن الدبلوماسية الروسية على التأييد الأولي الذي حصلت عليه في بداية الحرب التي اندلعت في فبراير 2022 لأنه مبني على عاملين اثنين هما. العامل الأول: حق روسيا في الدفاع عن أمنها القومي أو ما يعرف سياسياً (الحديقة الخلفية لها)، بعدما تأكد بالحقائق أن الغرب هو من استفز روسيا لجرها إلى هذه الحرب.

والعامل الثاني: أن الكثير من السياسيين اعتقدوا أن مدة الحرب محدودة وأن العملية العسكرية لن تزيد عن أسابيع فقط، لكن اليوم فقد مرت أكثر من ثلاثة أشهر، والمؤشرات تبين أنها ممتدة لفترة أطول، وأن تداعياتها السلبية تظهر مع التقدم.

وبالتالي الذي ينبغي فعله من روسيا أن يستمر دبلوماسيوها في رحلات مكوكية في أرجاء العالم لشرح حقيقة موقفهم، وأن المسألة هي الدفاع عن أمنها الوطني الذي كان يهدده محاولات التواجد الغربي أو حلف الناتو بجواره. ومع هذا لا يكفي أن يقوم السيد سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، وحده لإقناع كل العالم رغم نشاطه وحضوره الدبلوماسي، كما لا يكفي إصدار بيان صحافي في نهاية كل لقاء روسي مع مسؤولين في العالم، وإنما مطلوب تقديم تفسير حقيقي ومقنع للرأي العام العالمي.

الخلاصة أن كسب روسيا لهذه الحرب لا يكفيها الاستمرار في القتال العسكري، أو بالاعتماد على حلفاء هم نفسهم منذ بدء الحرب، فالأمر يحتاج إلى «مؤيدين جدد» وإلا ستخسر المعركة.

Email