أبشروا بالشبب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما نُقِلَت شكوى لماريا تيريزا الإسبانية، في القرن السابع عشر، عن عدم قدرة العامة على الحصول على الخبز، ردّت على ناقل الخبر بجُملة استفزّت الجميع وهي تقول: «إنْ لم يجدوا الخبز فلماذا لا يأكلون البسكويت؟»، وهي الجملة التي التصقت زوراً بماري أنطوانيت، علماً بأنّ أول من نقل تلك العبارة كان جان جاك روسو، وعندما نشرها كان عُمْر ماري أنطوانيت عشر سنوات فقط!

ما ذكرني بهذه المقولة، والتذكير هنا ليس لمرة واحدة ولكن كثيراً وأنا أشاهد موقف البعض على ردود فعل شرائح من المجتمع على ما «يمس» حياتهم وحياة أُسرهم ومَن يعولون، وبدايةً لا بد أن نتفق جميعاً على نقطتين رئيسيتين، لأن الاتفاق عليهما سيجعل النقاش متزناً وموضوعياً، والاختلاف عليهما يعني أننا على طرفي نقيض، وذلك ما لا يجدر وجوده في مجتمع جميل ومتصالح مع ذاته ومتماسك النسيج والوشيجة منذ بدايات الاتحاد.

النقطة الأولى: أنّ الجميع يحبون بلادهم ويدينون لها ولقيادتها بالولاء المطلق، فلا مزايدات على هذه الجزئية، ولا يصح إقحام «الوطنية» لمجرد إسكات الطرف الآخر، والنقطة الثانية: أنه لا توجد دولة مثالية أو كاملة، فوجود بعض نواحي القصور أو خروج بعض القرارات التي تؤثر سلباً على حياة من بها، وتحديداً من ذوي الدخول المحدودة أو دونها، هو أمر وُجِدَ في السابق وسيتكرر كثيراً مستقبلاً في كل دول العالم دون استثناء، وشكوى أو تذمّر قطاعات من المجتمع منها أمرٌ «طبيعي»، وإيجاد حلول له هو الوضع «الطبيعي» بدوره، من أجل إيجاد حالة استقرار للمجتمع المحلي وبث جو من الطمأنينة بتوفّر متابعة و«حماية» من مؤسسات الدولة لضبط أي انفلات قد يحدث ويتسبّب في خلق حالة احتقان داخلي بالإمكان تلافيها.

نتفق أنّ العالم بأكمله يمر ببدايات أزمة اقتصادية يبدو أنها ستكون طاحنة إن لم تحل الدول الكبرى مشاكساتها و«عنترياتها» فيما بينها، خاصة وأن هؤلاء الكبار إنْ عطسوا أصاب الزكام كل الدنيا من سيبيريا إلى أقصى القطب الجنوبي، ولكن لا بد أن نتفق بعيداً عن التشنج في النقاش -إنْ اتفقنا على النقطتين أعلاه- أنّ ارتفاع الأسعار فيما يخص الوقود تحديداً قد بدأ قبل الحرب الروسية الأوكرانية بفترة طويلة، وأن هذه الزيادة يتلقفها هوامير القطاع الخاص -الـمُتحكَّم في أغلبه من تجار وافدين- بوجوه مبتسمة وأحضان مفتوحة لأنهم يستخدمونها لرفع أسعار كل السلع بدعوى ارتفاع تكلفة النقل، والنتيجة تضخم متسارع وغلاء معيشي أصبح يؤرق شرائح كثيرة من المجتمع، ويشكّل تحدياً لجذب مستثمرين من الخارج.

لا يجب أن نُهَوِّن من أمر الاستياء الذي يخرج مع بعض القرارات، فخلال سويعات قليلة من نشر خبر زيادة سعر البنزين تجاوزت الردود المستاءة الثلاثة آلاف رد على إحدى المنصات، وهذه أرقام يُفترَض أن تؤخذ على محمل الجدية، وأن تسعى المؤسسات الحكومية لإيجاد حلول حتى لا تتضرّر الفئات المجتمعية من ذوي الدخل المتوسط والمحدود، وإنْ لم توجد حلول آنية فعلى الأقل أن يُفسِّر مسؤول أسباب الزيادة لامتصاص امتعاض الناس، فالكل يحب بلاده، لكن من الضروري أن نجعل لقمة العيش غير مكلفة، أو أن «ننوِّر» الناس بأسباب الزيادة وإلى متى سيستمر ذلك حتى لا تكثر التأويلات الخاطئة، أو يشعر البعض بأنّ استقرار حياته وحياة أسرته مُهدّد بغلاء متسارع لا يرحم.

نحتاج من البعض الذي كلما سمع شكوى من فئة متضررة قام يضع مقارنات مع موزمبيق وغيرها أن «يعيّن خير» ويترك الموضوع عند المعنيين من المسؤولين، فكونه ثرياً أو لا تُشكّل الزيادة ضغطاً على ميزانيته وأسرته لا يُعطيه الحق ليُصادِر حق المتضررين من محاولة إيصال شكواهم، والشكوى ليست تنكّراً لجميل وطن أو محاولة لإثارة الغبار، ولكن لن يفقد الصبر إنسان إلا وقد انعدمت لديه الوسائل والحلول، ومَثَلُنا القديم يقول: «محّد يعاف عشاه إلا من لوعةٍ في حشاه»، وقيادة البلد الـمُحِبّة لشعبها والمحبوبة منه «تِقْدَر» وشعبها يستحق، وعندما تضيق الأمور و«تصك الحلقة البطان» يسعى الناس لإيصال صوتهم، لأنهم على يقين بأن صوتهم لو وصل ولاة أمرهم لانحلّت الأمور وأتاهم الرد المعتاد: «أبشروا بالشبب».

 

Email