لماذا اختارت الفلبين ابن ديكتاتورها السابق رئيساً؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

كما كان متوقعاً، حقق «بونغ بونغ ماركوس» فوزاً ساحقاً في انتخابات الفلبين الرئاسية الأخيرة، محققاً فوزاً ساحقاً على أقرب منافسيه بحصوله على نحو 30 مليون صوت، مقابل 14 مليون صوت لأقرب منافسيه (نائبة الرئيس المنتهية ولايته «ليني روبريدو»).

حدث هذا على الرغم من أنه تجنب المقابلات الإعلامية والتحدث عن مواقفه السياسية وكيفية قيادته للبلاد، باستثناء تركيزه على اللحمة الوطنية. وهذا يدعونا لطرح سؤال «لماذا اختاره الفلبينيون لقيادتهم؟» وهم يعلمون أنه ابن الديكتاتور الذي حكمهم 20 عاماً، منها 14 عاماً بالأحكام العرفية بدعم أمريكي، وشهدوا في عهده أكثر صور الانتهاكات والفساد قتامة. هل نسوا انتفاضتهم الشعبية عام 1986 التي نجحت في إسقاط والده وطرده من البلاد ليموت منفياً في هاواي؟ وهل ضعفت ذاكرتهم إلى حد نسيانهم تهم فساد والدته إيميلدا التي حملت معها مليارات الدولارات إلى المنفى؟، علماً بأنها مفرج عنها حالياً بكفالة إلى حين النظر في استئناف تقدمت به لإلغاء حكم صدر عام 2018 بسجنها 11 عاماً لإخفائها ثروتها؟ بل كيف تغاضوا عن حقيقة أن بونغ بونغ نفسه أدين عام 1997 بالتهرب الضريبي، ويواجه قضايا ضريبية جديدة بملايين الدولارات في الفلبين والولايات المتحدة؟

لا يمكن تبسيط الإجابة بالقول إن ذاكرة الشعوب قصيرة أو أن المقترعين صوتوا لبونغ بونغ لأنهم سئموا من الساسة التقليديين الذين فشلوا حتى في توفير الأمن الذي ساد زمن ماركوس الأب.

إن فوز الرجل فوزاً كاسحاً وقفت وراءه عوامل عديدة منها أولاً وقوف الرئيس المنتهية ولايته «رودريغو ديتيرتي»، بكل ثقله وشعبيته في الأقاليم الجنوبية، خلفه، ما جعل الموالين للأخير، يمنحونه أصواتهم، خصوصاً وأن دوتيرتي عقد تحالفاً استراتيجياً مع بونغ بونغ بحيث تترشح ابنته المحامية والعمدة السابقة لمدينة دافاو «سارة دوتيرتي ــ كاربيو» على بطاقته الانتخابية كنائبة للرئيس، فكان أن حصدت «بطاقة ماركوس ــ دوتيرتي» أصوات أنصار آل ماركوس في الشمال وأصوات عشيرة دوتيرتي في الجنوب.

هذا علماً بأن دوتيرتي سعى في وقت من الأوقات لترشيح ابنته للرئاسة خلفاً له، وحينما تفاجأ بنزول بونغ بونغ إلى حلبة السباق، شنّ على الأخير حملة شعواء، بل حذر الجماهير من «عودة السلالة الماركوسية الفاسدة» إلى قصر مالاكانيان الرئاسي. وفي هذا السياق لا بد من التذكير أن دوتيرتي وصل إلى السلطة عام 2016 بدعم قوي من آل ماركوس، فرد لهم الجميل من خلال الموافقة على إعادة دفن ماركوس الأب في مقبرة الأبطال بمانيلا، من بعد 20 سنة كانت فيها الجثة معروضة داخل صندوق زجاجي في مقابر العائلة.

من العوامل الأخرى التي ساهمت في فوز بونغ بونغ ثراء أسرته الذي ساعده في الإنفاق ببذخ على حملته الانتخابية واستخدام منصات التواصل الاجتماعي بصورة مكثفة لإقناع الناخبين بأفضليته. ويمكن أيضاً إضافة عاملين مهمين آخرين: أولهما هو أن نسبة كبيرة من المقترعين كانت من فئات الشباب التي لم تعش زمن ديكتاتورية ماركوس الأب وأهوالها، فكان من السهل إقناعها بأن عهد الأخير كان عصراً مزدهراً اقتصادياً. وثانيهما هو اصطفاف العديد من العائلات الفلبينية الثرية خلف بونغ بونغ بغية تفويزه على أمل استعادتها للنفوذ الاقتصادي الذي كانت تتمتع به زمن والده.

هل يا ترى سيقوم ماركوس الإبن، الذي يشبه أباه في سلوكياته وصوته ومشيته وحركة يده، بحكم الفلبين على طريقة والده؟ أم على طريقة سلفه دوتيرتي؟

المتوقع، طالما أنه مدين لدوتيرتي بالفوز، أن يسعى داخلياً إلى مواصلة سياسات سلفه لجهة الحرب على المخدرات، والاستمرار في برنامج تطوير بعض البنى التحتية، وتعزيز سياسات المحسوبية، مع تجميد مكافحة الفساد وتحقيقات حقوق الإنسان كحماية لنفسه وعائلته من المساءلة في قضايا قديمة، وأيضاً كحماية لسلفه المتهم بالقتل خارج إطار القانون في الحرب على المخدرات. أما خارجياً فيتوقع منه تعزيز علاقات التعاون والشراكة الدفاعية مع واشنطن، رغم استيائه من القضايا المرفوعة ضده في الولايات المتحدة، وذلك إرضاء لجنرالات جيشه ولقسم كبير من الفلبينيين المعجبين بالحضارة الأمريكية. لكن المتوقع أيضاً بالتزامن أن يواصل سياسات سلفه في مغازلة بكين من منطلق أنه لا يمكن لاقتصاد الفلبين أن يعمل دون الاستثمارات الصينية والتجارة مع الصين.

وبطبيعة الحال فإن الصينيين مستعدون لتقديم الحوافز والمساعدات للرئيس الجديد لتحريره من الضغوط الأمريكية والغربية. والحقيقة أننا لا نبالغ لو قلنا إن بونغ بونغ سيكون واقعاً في سياساته الخارجية أمام مأزق! فاعتماده على بكين اقتصادياً يعني عجزه عن تأكيد حقوق الفلبين السيادية في بحر الصين الجنوبي، واعتماده عسكرياً ودبلوماسياً على واشنطن يعني عدم قدرته على تجاوز مسائل الحكم الرشيد ومكافحة الفساد وحقوق الإنسان.

Email